صدر لعبد القادر الشاوي عن دار (الفنك) مؤلف جديد بعنوان: كتاب الذاكرة في حوالي 190 ص من القطع المتوسط. ويعتبر هذا الكتاب محاولة جادة للتفكير المنهجي
والمفهومي في عملية الكتابة التأملية وارتباطها بالسياقين الثقافي والسياسي اللذين يؤطرانها في ظروفها الخاصة والعامة. ويضم هذا الكتاب مجموعة من الفصول المتصلة ببعضها البعض تتناول بالدراسة، من خلال العرض والتأويل، بعض الأفكار والتصورات الأساسية التي اشتغل عليها المؤلف مثلما كانت مدار اجتهاداته وأبحاثه منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي (فلسطين، النهضة، اليسار، النقد، السيرة الذاتية الخ). فجاءت المعالجة من خلال عرض المفاهيم-الأفكار في السياق العام الذي انطرحت فيه، وكيفية المعالجة من خلال الرؤيته النقدية التي تبناها المؤلف في ترابط أكيد مع مقتضيات وشروط الظروف الثقافية التي احاطت بها وبه معا.
وقد مهد المؤلف لمجموع الفصول التسعة التي يضمها الكتاب بمقدمة أوضح فيه أن كتابه هو تأملات فكرية قبل كل شيء، لا علاقة له بما يمكن ان يتبادر الى الذهن، بحكم العنوان (كتاب الذاكرة)، بمسار الحياة الشخصية على المستوى الذاتي المألوف. ولذلك جعله، كما يقول، ضربا من التأليف غير مسبوق في مجاله، لأنه، من جهة، بين مستويين هما الذهني والذاتي، بين، من جهة أخرى، عملية بسط الأفكار التي كانت موضوع الاهتمام في المجال الثقافي والأدبي الذي تفاعل معه المؤلف منذ بداية السبعينيات. ولذلك برز فيه التأريخ المفهومي للتطورات الثقافية العامة التي اخترقت الحياة الثقافية في المغرب على امتداد أربعة عقود من الزمن، وليس فيه من الذات، أو التأريخ للأنا، إلا ما يمكن استنتاجه جزئيا من خلال القراءة المحايثة لدور الفاعل الثقافي، أو المثقف، في تفاعله مع التطور الثقافي كمجال لإنتاج المعرفة وتطورها، فضلا عن الصراعات التي تتفاعل فيها. ورغم ان الكتاب يتضمن بعض الذكريات المتصلة بالحقل الثقافي الذي تفاعل معه المؤلف، الا انها في المجمل بمثابة إضاءات... تستظهر المعاني وتلقي مزيدا من الضوء على التفاعل المذكور قبل قليل.
ويمكن القول إن هذا الكتاب يعتبر بمثابة خلاصة فكرية للتطور الثقافي الذي اكتسبه المؤلف وكذا لبعض التحولات البارزة التي وسمت فكره وكتابته. وهو من هذه الناحية على شبه كبير بالمؤلف الجامع الذي اعتصر فيه المؤلف، بطريقة جذابة وسلسة كذلك، مختلف الأفكار والمواقف والتصورات التي عبر عنها واشتغل عليها وكتبها منذ ان بدأ النشر في أواخر الستينيات الى مطالع الألفية الثالثة ... وذلك في ثلاث مجالات على الأقل هي النقد الأدبي والبحث الفكري والتناول السياسي، الشيء الذي يعكس شيئا كثيرا من التنوع الذي اشتهر به المؤلف وكان ايضا في أساس بعض تجاربه الحيانية.
