-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

عندما لا تدفع الكتابة الفواتير : سفياتوسلاف إيفانوف

 سفياتوسلاف إيفانوف  ترجمة- هالة عدي
غالبا ما أجبرت المخاوف السياسية أو المالية الأدباء على ايجاد أعمال إضافية إلى

جانب الكتابة مما منحهم تجارب حياة حقيقية استخدموها لاحقا في مؤلفاتهم، لذا تعرّف على الطبيبين «تشيخوف» و»بولغاكوف»، سائق سيارة الأجرة «غازدانوف»، والصحفي «دوفلاتوف».
لم تكن وظيفة كاتب جاد في روسيا مربحة أبدا، ففي عهد القياصرة تسببت قلة انتشار التعليم بحصر سوق الأدب المعقد والصعب بدائرة صغيرة جدا من القراء، أما في زمن الاتحاد السوفيتي فلم يتمكن إلا الأدباء الموالون للدولة من العيش على كتاباتهم، فيما أجبر الآخرون على ايجاد أعمال ثانية.
الانسانية والعبثية
عمل «أنطون تشيخوف» طبيبا لـ 15 عاما ولم يندم لاتخاذه هذا القرار أبدا، كان معظم مرضاه من الفلاحين والخدم والفقراء واعتاد المزاح قائلا: «أزاول مهنتي في منازل الأرستقراطيين؛ سأتجه الآن إلى منزل الكونتيسة كيلر لأعالج الطاهي، وبعدها إلى منزل النبيل فويكوف لأهتم بخادمته»، ونظرا لأن معظم المرضى لم يتمكنوا من تحمل تكاليف طبيب عالجهم تشيخوف مجانا.
لم ينجذب إلى الطب بسبب المال، إذ يقول: «يجب أن تكون الرغبة في خدمة الصالح العام جزءا أساسيا من الروح، ضرورة لتحقيق السعادة الشخصية» والتزم دائما بهذا المبدأ، في العام 1890 سافر إلى مستعمرة جزائية على جزيرة «ساخالين» لاجراء تعداد والتحقق من الظروف الصحية للسجون والمستشفيات والثكنات هناك.
نشر النتائج في عمل غير روائي يدعى «جزيرة ساخالين» مما قاد إلى تحسين الظروف المروعة للمحكومين، وعندما ضرب وباء الكوليرا وسط روسيا في العام 1892 نظم تشيخوف حملة إغاثة طبية للضحايا على نفقته الخاصة.
قال في إحدى المرات: «الطب زوجتي قانونيا.. والأدب عشيقتي»، غير أن الطب أضاف كثيرا إلى كتاباته التي تضم وصفا تفصيليا لصحة شخصياته وأمراضهم ووفاتهم، إضافة لسماعه قصصا كثيرة وتعلمه الكثير عن الطبيعة البشرية عبر ممارسة الطب- وهي تجربة قيمة لأي كاتب.
ينحدر «ميخائيل بولغاكوف» من عائلة أطباء وعمل طبيبا لعدة سنوات في بداية القرن العشرين، حتى إنه شارك في الحرب العالمية الأولى كجراح في الجبهة، بعدها عمل طبيبا في جزء ناء من الريف ونظرا لأنه كان الطبيب الوحيد المتوفر اضطر لمعاينة عشرات المرضى يوميا.
أصبحت تجارب بولغاكوف خلال تلك السنوات معروفة على نطاق واسع مؤخرا بفضل مسلسل تلفزيوني بريطاني للعام 2012، يحمل عنوان «مفكرة طبيب شاب»، وهو اقتباس معدل وغير دقيق جدا من مجموعة قصص تحمل الاسم نفسه.
تتضمن أعماله الأخرى شخصيات أطباء في أحيان كثيرة، على سبيل المثال البروفيسور «بريوبراجينسكي» بطل روايته «قلب كلب» تجسيد وتصوير دقيق لمفكر يواجه العبثية ووحشية الدولة السوفيتية في بداياتها.
أبطال الطبقة العاملة
لو لم يتقدم «تشارلز بوكوفسكي» في حياته العملية عبر سلسلة من الوظائف الوضيعة لم يكن العالم ليقرأ «مكتب البريد» و»المستخدَم»، ويمكن قول الشيء نفسه بحق الكاتبين الروسيين «فينيدكت ييروفيف» و»غايتو غازدانوف».
كعالم لغة وكاتب طموح، طرد ييروفيف من الجامعة فقط لأنه قرأ الكتاب المقدس وهو أمر غير مقبول لمواطن سوفيتي، فأدمن الكحول بشكل كبير ثم بدأ عمله في وظائف قليلة الأجور مثل توصيل الأسلاك والحفر وتحميل البضائع وحتى الحراسة في سجن.
فيما بعد أصبح شخصية مشهورة لتأليفه قصيدة «موسكو- بيتوشكي» النثرية التي تحكي قصة شبيهة بالأوديسة عن شخصيته الأخرى الثملة دائما «فينيتشكا»، وتعد القصيدة ذات أهمية لأنها تجمع بين الاشارات الأدبية الرفيعة والفلسفة الدينية والفولكلور الحضري ولغة الشارع العامية، إذ تعرف على الأخيرة من خلال سنوات عمله الطويلة بوظائف بسيطة.
كاتب آخر كان لحياته المهنية تأثير حاسم على أدبه هو غازدانوف- روائي مهاجر لم يقدر حق قدره- كتابه الأهم «طرق الليل» مبني على انطباعات الكاتب الخاصة عن باريس في الثلاثينيات حيث عمل سائقا لسيارة أجرة وعامل ميناء وكذلك حداد بمصنع سيارات سيتروين.
أعمال غازدانوف النثرية المتأملة معنية بأفراد الطبقة الدنيا من الباريسيين مثل المهاجرين الروس، ومن مميزات مؤلفاته أنها مقاربة فلسفية شديدة الانتباه لمفكر مثقف وجد نفسه في الدرجة السفلى من المجتمع.
الرياضيات والمسائل الاخلاقية
تضمنت فلسفة الدولة السوفيتية أن يكون كل مواطن قادرا على العيش اعتمادا على عمله، لكن عندما يتعلق الأمر بالفن كانت هنالك قيود معينة، فكونك كاتبا معناه ضرروة انتمائك إلى «اتحاد الكتاب السوفيت» وأن تبقى مواليا للحزب لو أردت تحقيق النجاح المالي، ترتب على ذلك بحث الأدباء عن مهن ثانية للفوز بالاستقلال، فلو لم ترغب بالامتثال لايديولوجية الدولة عليك أن تكسب المال من خلال وظيفة أخرى.
في العشرينيات من عمره قرر «ألكسندر سولجنيتسين» أن يصبح مؤلفا، فكتب الشعر والمقالات اضافة لرواية ملحمية عن الثورة الفرنسية، لكن عندما بدأ دراسته الجامعية قرر أن لا يتخصص في الادب ودرس الفيزياء والرياضيات بجامعة «روستوف» بدلا من ذلك، فتخرج بدرجة امتياز ليصبح مدرسا للرياضيات.
بعد تخرجه بأربع سنوات حكم على سولجنيتسين بقضاء ثمانية أعوام في معسكر عمل بسبب آرائه السياسية، وبعد إطلاق سراحه أرسل إلى منفى داخلي على حدود الاتحاد السوفيتي حيث ساعدته مهنته كثيرا، كانت شهرته العالمية لا تزال على بعد سنوات إلا أنه تمكن من اعالة عائلته بتدريس الرياضيات والفيزياء في المدارس الريفية.
اختار «سيرغي دوفلاتوف» الصحافة مهنة ثانية له، ووفقا لروايته الشبيهة بالسيرة الذاتية فإنه لم يجدها مرضية، ففيما كان الكاتب داخله صادقا وصريحا كان الصحفي السوفيتي على العكس تماما؛ هادئا ومواليا للدولة ورافضا تهديد أمنه الوظيفي.
وضع دوفلاتوف في الموقف نفسه مع العديد من معاصريه- اجبروا على التخلي عن المبادئ الأخلاقية بسبب الايديولوجية- لكن في الوقت الذي لا يعترف فيه الآخرون بنفاقهم وعبوديتهم الأخلاقية حتى بعد سنوات طويلة، تحدث هو عن تجربته المؤلمة بصراحة ضمن كتابه الرائع «تسوية».
بعد هجرته القسرية إلى الولايات المتحدة، واصل دوفلاتوف عمله بمجلة «الأميركي الجديد»، وتمكن من الكتابة بحرية والفوز بالتقدير الذي يستحقه أخيرا.
* موقع راشيا بياند هيدلاينز الروسي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا