ما هي الشروط الموضوعية للديمقراطية...؟.محمد أديب السلاوي
الديمقراطية في عالم اليوم، حولتها الصراعات الدولية،
إلى شعار يرفع على نطاق
واسع، رغم ما يشوب مفاهيمها من غموض في العديد من الدول، ولكنها
في الدول السائرة في طريق النمو ظلت منذ بداياتها الأولى، حبرا على ورق، والسبب في
ذلك، في نظر العديد من الباحثين، يعود إلى طبيعة الدساتير التي زينت ببنود عديدة تنص
على الحقوق والحريات، ليس من أجل إعطاء الديمقراطية موقعها على الأرض وتوفير الشروط
والضمانات القابلة للممارسة، ولكن من أجل تلميع صورة الأنظمة الجائرة/ الأنظمة الفاسدة
على الخريطة الدولية.
فهل يكفي أن تتوفر الدولة على مؤسسات حزبية / إعلامية لتعم الديمقراطية؟ .
إن الديمقراطية في نظر العديد من الفلاسفة والعلماء والسياسيين، لا يمكن
ولا ينبغي اختزالها في مجرد مؤسسات عامة، أو في مجرد انتخاب هذه المؤسسات انتخابات
فاسدة ومزورة في فترات منتظمة، ذلك لأنه لا يمكن فصل الديمقراطية عن نظرية الحقوق أو
عن ممارسة هذه الحقوق.
إن إرساء نظم الديمقراطية في الدول السائرة في طرق النمو تتطلب قبل شيء،
إصلاحا اقتصاديا واجتماعيا عميقا/ وتأميما للاقتصاد/ وتحديثا للصناعة/ وإصلاحا زراعيا
شاملا/ وإستراتيجية للتنمية المستدامة، وهو ما يساعد هذه الدول، على تحقيق استقلالها
الفعلي ويجعلها بالتالي قوة حقيقية داخل موازين القوى الدولية، قادرة على الانخراط
في النادي الديمقراطي العالمي
ففي العديد من الدول السائرة في طريق النمو، التي لا تتوفر على مثل هذه
الشروط، مكنت الديمقراطية أعداءها وخصومها، من سلطات ووسائل إضافية، زادتهم نفوذا وقوة
لصناعة أنظمة ديكتاتورية بلباس ونفس جديد/..وصناعة "أصنام" جبروتية، يكون
همها الوحيد القضاء على الديمقراطية.
إن أمر الديمقراطية "المخدومة"/ "المغشوشة" أصبح
يقتضي –في العديد من الدول السائرة في طريق النمو- طرح مسألة المعايير والمقاييس والشروط
الأخلاقية والثقافية التي يجب اعتمادها في العمل الديمقراطي، والجهات التي يجب تخويلها
مهمة تحديد هذه المعايير والمقاييس والشروط، والحدود التي لا يمكن تجاوزها في المسألة
الديمقراطية.
إن مناهضة التيارات الفكرية المتطرفة، والقوى السياسية المعادية للديمقراطية،
في مثل هذه الحالة يصبح جزءا صميميا من الممارسة الديمقراطية، ذلك أن المؤسسات الديمقراطية،
في النظام السياسي المعاصر، هي التي ترسم الحدود الشرعية والسقف القانوني العام للممارسة
السياسية في النظام الديمقراطي، وهي التي تحدد بالتالي، الإجراءات السياسية والقانونية
الزجرية التي ينبغي اللجوء إليها كلما تم خرق قاعدة/ قواعد الديمقراطية أو المساس بقيمها
العليا.
إن الديمقراطية ليست قوانين جاهزة يتم إقرارها من السلطة الحاكمة، بل
هي حصيلة سياسية وثقافية وتاريخية واجتماعية لحركة المجتمع، تتطلب توفر الظروف والأسباب
الموضوعية لقيامها، لذا يجب أن تكون (الديمقراطية) انعكاسا حقيقيا لمتطلبات الشعوب
بعيدا عن كل أشكال القبلية والطائفية والنخبوية، والعقائدية أو الإيديولوجية، حيث أن
المواطن لا يمكن أن يؤمن بالديمقراطية إلا إذا كان جزء/ طرفا منها، ومارسها بشكل حقيقي.
لذلك فإن ترسيخ الديمقراطية وازدهارها سيظل معلقا على شروط تابثة منها:
ترسيخ ثقافة المواطنة، في طموحات الأحزاب السياسية، ومؤسسات التعليم والتكوين والتأطير،
وهو ما سيمكن الديمقراطية من بنية تحتية عميقة، تجعلها قادرة على السير والاستمرار
والتطور، منها أيضا إصلاح السلطة ووضع حد لفسادها، وأبعد من ذلك، جعل "فصل السلط"
والانتخابات الحرة والنزيهة حقيقة أكيدة تتحرك على أرض دولة الحق والقانون. ودون هذه
الشروط الدنيا، ستظل الديمقراطية في عالمنا المتخلف/ السائر في طريق النمو حبرا على
ورق، مشروعا بعيد المنال عن التحقيق، يعاني من الإحباط والإضطراب والتملق، يزيد المفسدين
فسادا، ويزيد الفقراء فقرا، رغما على الضجيج الذي تصنعه المؤسسات الرسمية والمؤسسات
الإعلامية في هذا العالم، للمسألة الديمقراطية المفترى عليها.