تناقلت
بعض المواقع الالكترونية خبر العمل الأمني
الأخرق ،الذي جعل متاع السفر الخاص بالأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، يتعرض لعملية
تفتيش،بمطار هواري بومدين .
وقد اعتُبر هذا
التصرف مهينا لرجل دولة مغربي،ومناضل مغاربي ،ومحامي عدد من قياديي جبهة التحرير الوطني
الجزائرية ؛وعلى رأسهم الراحل أخيرا الحسين آيت أحمد .
ومما
راج أيضا ،تبعا لهذا،أن الوزير الأول المغربي السابق،يفكر في اللجوء إلى القضاء.
بقدر
ما بدت لي هذه المعاملة – إن صحت- تصرفا فجا، في حق قيادي مغربي ومغاربي كبير ،عائد
من عزاء أسرة وحزب صديقه، ورفيقه في النضال -
لم يثنه لا الهرم ولا المرض عن أداء الواجب – بقدرما اقتنعت أنها فعلا اهانة
؛لكن للذين دبروا أمرها ،وليس للأستاذ اليوسفي الذي لا يمكن أن تطاول قامتَه النضالية
والتاريخية مثل هذه الصغائر.
افترضت
أن يكون التفتيش قد حصل بكيفية آلية روتينية ،استهدفت المتاع فقط– ضمن غيره من أمتعة المسافرين - دون الانتباه إلى صاحبه ؛لكن
عدم صدور أي اعتذار من طرف الجهة الرسمية المعنية
في الجزائر ،جعلني أرجح وجود نية الاهانة ،وصدور أوامر بذلك.
لتفسير
هذا أُذكِّر بأن المرحوم آيت أحمد أوصى بجنازة شعبية في مسقط رأسه ؛رافضا جنازة رسمية
في العاصمة .وقد رفضت أسرته حتى
العرض
الرئاسي الجزائري ،بنقل الجثمان ،من سويسرا، على متن الطائرة الرئاسية.
بهذا
يكون الراحل – وقد ووري الثرى اليوم بمسقط رأسه – قد آثر أن يموت معارضا للنظام الجزائري؛كما
عاش.
حتى مأتم الوداع بسويسرا ،الذي نظمته الأسرة والأصدقاء - بحضور رسمي لمسؤولين سويسريين، وغياب الدولة الجزائرية- كان متميزا جدا :
قرأَت
فيه إحدى بنات المرحوم قصيدة شعرية نظمها الراحل
،وهو في سجن الحراش بالجزائر المستقلة(1965). كما شاركت والدة المطرب القبائلي
المغتال " لونيس معتوب" بترنيمات
جنائزية قبائلية؛ قبل أن يعتلي المنصة المغني
الأمازيغي ايدير بكيتارة حزينة .
وعليه
فالراحل اختار جنازة نضالية تتضمن معاني الاستمرارية- رسائل الى الشعب الجزائري- حتى تتحرر دولة الجزائر
من نظام يفتقد إلى الشرعية المغتالة ،باغتيال القادة التاريخيين أوتشريدهم.
وحينما
يصر رجل بقامة تاريخية من عيار الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي ،على تقديم العزاء في العمق
القبائلي ،فهذا يضاعف الوطء على الجزائر العميقة؛ويغيض الأجهزة.
و تتواصل
قواصم الظهر ،حينما يقرن اليوسفي العزاء بالمطالبة
بقيام اتحاد مغاربي قوي وديمقراطي؛تزكية وتنزيلا لجانب من جوانب المشروع السياسي الكبير
لآيت أحمد .
لا يكتفي
اليوسفي بهذا ،بل يلتفت إلى العالم ليستحثه على البحث في تراث آيت أحمد ؛ليقف على قدره
ووزنه ،ضمن أحرار ومناضلي العالم.
كل هذا
لا قِبل للنظام الجزائري الحالي به
.
ولعل
الوفاة باغتته ،فلم يرتب عودة هذا القائد التاريخي – حيا – إلى وطنه ،ليتجنب الإحراج
الكبير.
لا أستغرب
،بعد كل هذا ، أن تتعمد الأجهزة السرية بعثرة
لوازم السفر الخاصة باليوسفي ؛لأنها لا تستطيع غير هذا ،وهي تقرر الرد على تصريحاته
،وحضوره الوازن في الحزن القبائلي ،الجزائري، والمغاربي.
أما
أن يقع هذا في مطار هواري بومدين ،فقد جعل
ذهني يجنح إلى كل العثرات والسقطات التي تسبب فيها هذا الراحل ،بدوره، للاتحاد المغاربي
؛ ولا تزال فاعلة إلى اليوم ؛مُؤَطَّرة بعنوان خادع : " حق الشعب الصحراوي في
تقرير المصير".
وأين
حق الشعب الجزائري الذي قُرصِنت ثورته ودولته؟
وأين
حق الشعوب المغاربية في رؤية مصير مشترك، قررته
شرعياتها التاريخية والتحريرية ؛و التمتع به واقعا مغاربيا ،في زمن عولمي، تجميعي حتى
للقيم ؟
بدا
لي أن عقدة التاريخ لا تزال تؤرق الرجل ،حتى وهو يقيم في الغياب
الأبدي ؛ وان كان نهض لتفتيش متاع اليوسفي، فمن أجل هذا التاريخ الذي فرط فيه
،وهو حي ، يَحْمِل أمانةَ الرئاسة. وما أثقلها من أمانة .
إن كان
من نصح أوجهه لشيخ اليسار المغربي – وهو في غنى عنه – فليكن تفادي النزول إلى السياسة
المنخفضة ؛ولو لمقاضاتها.
اترك
كل شيء لمحكمة التاريخ ؛ولا ارتاحَ أحد من لوعة إضعاف الشعوب ؛حينما يكون بوسعه تجميعُها
وتقويتُها، من أجل اتحاد مغاربي حلم به القادةُ التاريخيون الكبار ،وأساء الصغار تفسير
الحلم.
Ramdane3.ahlablog.com