زكي بني ارشيد
ليس لتجربة السجن، التأثير ذاته على كل من يتعرض لها ... هناك معتقلون وسجناء،
أكسبتهم التجربة أفقاً أوسع، وعقلاً أبرد، ورؤية أثقب ... وهناك تجارب كانت نتيجتها وبالاً على السجناء أنفسهم، وبالأخص، على مريديهم وتابعيهم، خصوصاً إن كانوا من “القيادات” و”المنظرين” ... نيلسون مانديلا خرج من زنزانته إلى قصر الرئاسة، وسنوات سجنه الطويلة، نقلته من “زعيم ثوري” إلى قائدة “العدالة الانتقالية” و”المصالحة والانصاف” و”بناء التوافقات الوطنية” ... عبد الله أوجلان في سجنه المعزول على جزيرة إيمرلي، أجرى مراجعات مهمة حول تجربة الحركة الوطنية الكردية، وطوّر مفهوم “الأمة الديمقراطية” كبديل عن مفهوم “الأمة الستاليني” أو “الأمة القومية” بالمعنى البرجوازي ... أما سيد قطب، فقد أنتج في سجنه مراجعات ونظريات، تشكل اليوم، بشهادة الجميع، موئلاً للفكر التكفيري، من “ظلال القرآن” إلى “معالم على الطريق”.
نقول ذلك، ونحن نعلم أن تجربة عام ونصف من الاعتقال، لم توفر للأستاذ زكي بني ارشيد، الفرصة لا للمراجعات العميقة، ولا لابتداع نظريات ورؤى جديدة، مغايرة لما نهضت عليه الجماعة الأم ... لكنها فترة كافية، على ما أظن، للتأمل في حال الحركة الإسلامية الأردنية، الذي لم يعد يسر صديقاً ولا يقلق عدوا، بعد سلسلة الانشقاقات المتلاحقة التي أصابت “عصب الجماعة”، وأخرجت المئات من قياداتها التاريخية والوسيطة، من صفوفها أو من صفوف ذراعها السياسي: حزب جبهة العمل الإسلامي.
وفي ظني، أن انتهاء محكومية بني ارشيد، في توقيت متزامن مع ولوج الحركة لحظة انتخابات داخلية، وترتيبات تنظيمية جديدة، ربما يكون من الصدف الجيدة ... ذلك أنه سيكون بمقدور الرجل القوي، أن يتدخل قبل فوات الأوان، بهدف إحداث تغيير جدي، في سيرورة تطور الأحداث داخل الجماعة والحزب ... وأحسب، أن كثيرين، ينتظرون اليوم ما الذي سيقدم عليه الرجل الثاني في الجماعة، المثير عادة للجدل، وكيف سيتصرف حيال “أقسى” تجربة اهتزاز داخلي تتعرض لها، وربما في تاريخها كله، لا سيما بعد الانشقاق الأخير، الذي تميّز عن سابقاته، كماً ونوعاً.
والترقب، لا يطبع مواقف نشطاء الحركة الإسلامية وحدها، ذلك أن “الشأن الداخلي” للجماعة، قد بات شأناً وطنياً أردنياً بامتياز ... ونحن نرى أن أكثر ما يُكتَب عن الجماعة، إنما يصدر عمّن هم من خارجها ... فالمسألة هنا، لا تتعلق بأكبر تيار سياسي – فكري في البلاد فحسب، بل وتتصل أيضاً بأولويات جدية ضاغطة، من نوع “حفظ الوحدة الوطنية” أو “صون أمن البلاد واستقرارها” ... لذلك، ليسمح لنا بني ارشيد، أن نخاطبه على هذا النحو المفتوح، وأن نستحثه، بعد أن نال قسطه من الراحة والترحاب، على إنضاج مبادرات تصالحية، تجمع شتات الجماعة، وتستنهض دورها، وتدفع بها في أتون المشاركة السياسية، وتدفعها لتطوير خطاب مدني – ديمقراطي في إطار مرجعياتها الأعرض، مستفيداً مما فعلت بعض الحركات في بعض التجارب الناجحة، وأن يتطلع للأمام وفي الداخل (داخل الحركة الإسلامية)، بدل النظر إلى الوراء والبحث عن أسباب لمشكلات الحركة من خارجها.
نعلم أن المهمة ليست سهلة، بعد تفاقم حدة الاستقطاب، واتساع شقة الفجوة والخلاف ... لكن بالنظر لأهمية المسألة، لا بأس من المحاولة، ولا بد من البحث في عمق القضايا الخلافية، وليس في قشورها أو على سطحها ... فمن الأسهل توجيه الاتهامات للحكومات والأجهزة بالمسؤولية عن تشقق الحركة الإسلامية وتشظيها، لكن ذلك لن يحل المشكلة أبداً، بل سيزيدها تعقيداً على تعقيد، إذ بفرض أن الحكومة والأجهزة سعت في التدخل في شؤون الحركة الداخلية، فإن نجاحهم في هذا المسعى، لن يكون ممكنا، من دون توفر “رؤوس جسور” لها في داخل الحركة، وعلى أرفع المستويات، ولولا ان الخلافات البينية، قد بلغت شأنا عظيماً، وأحياناً غير قابل للعودة، لما كان للتدخلات الخارجية أن تفعل فعلها.
وأدعو الأستاذ بني ارشيد، إلى عدم النظر للخلاف بوصفه مسألة داخلية، يحظر البحث فيه على من هم خارجها، وأن ينفتح على أية أفكار أو مبادرات ومساعٍ يمكن أن تأتي من خارج الحركة الإسلامية كذلك، فثمة كثيرون لهم مصلحة في حفظ وحدة الحركة من جهة، وتطوير خطابها السياسي الفكري من جهة ثانية، فنحن في ذروة حرب كونية مفتوحة، على التطرف والإرهاب، ومن الواجب أن نبحث عن قواسم ومشتركات وتحالفات، تمكن مختلف الأطراف والفاعليات، من القيام بأدوارها على هذا الصعيد.
وأدعوه لعدم الإصغاء للأصوات التي اعتادت التقليل من شأن ما حصل، وحصره في “التدخلات الخارجية” أو “المطامع الفردية”، لأفراد معينين، أو القبول بنظرية أن “الحركة تتقوى بلفظ العناصر الضعيفة والمتساقطة”، فكل هذه المقاربات، لم تمس، سوى سطح المشكلة، ولم تنفذ إلى عمقها، وقد آن الأوان لأن تعكف الحركة الإسلامية، على إجراء المراجعات المطلوبة، فما حصل في السنوات الخمس الأخيرة، في الأردن والمنطقة، هو زلزال على أعلى تدرجات مقياس ريختر، والحركة الإسلامية، كما غيرها من تيارات الفكر والسياسة، أخفقت في مواكبة هذا التطورات وتخلفت عنها، وقد آن أوان تطوير أدواتها ومناهجها ومرجعياتها، لاستيعاب دروس المرحلة واشتقاق البرامج الكفيلة بولوج عتبات مرحلة جديدة تطل برأسها، البعض يصفها بأنها “مرحلة ما بعد الإسلام السياسي” والبعض الآخر يرى أنها تتميز بأفول نجم الإخوان المسلمين.
هي دعوة تصدر من موقع المختلف عن الحركة الإسلامية، بيد أنها تنطلق موقع الحريص على “الوحدة الوطنية” و”أمن الأردن واستقراره”، والمؤمن بنظرية “لا ديمقراطية من دون الإسلاميين، ولا ديمقراطية ما لم يتبن الإسلاميون بعمق، قيم المدنية والتعددية ومبادئ حقوق الإنسان وقواعد الديمقراطية” ... أرجو أن تتسع لها الصدور وأن تجد طريقها للعقول.
ليس لتجربة السجن، التأثير ذاته على كل من يتعرض لها ... هناك معتقلون وسجناء،
أكسبتهم التجربة أفقاً أوسع، وعقلاً أبرد، ورؤية أثقب ... وهناك تجارب كانت نتيجتها وبالاً على السجناء أنفسهم، وبالأخص، على مريديهم وتابعيهم، خصوصاً إن كانوا من “القيادات” و”المنظرين” ... نيلسون مانديلا خرج من زنزانته إلى قصر الرئاسة، وسنوات سجنه الطويلة، نقلته من “زعيم ثوري” إلى قائدة “العدالة الانتقالية” و”المصالحة والانصاف” و”بناء التوافقات الوطنية” ... عبد الله أوجلان في سجنه المعزول على جزيرة إيمرلي، أجرى مراجعات مهمة حول تجربة الحركة الوطنية الكردية، وطوّر مفهوم “الأمة الديمقراطية” كبديل عن مفهوم “الأمة الستاليني” أو “الأمة القومية” بالمعنى البرجوازي ... أما سيد قطب، فقد أنتج في سجنه مراجعات ونظريات، تشكل اليوم، بشهادة الجميع، موئلاً للفكر التكفيري، من “ظلال القرآن” إلى “معالم على الطريق”.
نقول ذلك، ونحن نعلم أن تجربة عام ونصف من الاعتقال، لم توفر للأستاذ زكي بني ارشيد، الفرصة لا للمراجعات العميقة، ولا لابتداع نظريات ورؤى جديدة، مغايرة لما نهضت عليه الجماعة الأم ... لكنها فترة كافية، على ما أظن، للتأمل في حال الحركة الإسلامية الأردنية، الذي لم يعد يسر صديقاً ولا يقلق عدوا، بعد سلسلة الانشقاقات المتلاحقة التي أصابت “عصب الجماعة”، وأخرجت المئات من قياداتها التاريخية والوسيطة، من صفوفها أو من صفوف ذراعها السياسي: حزب جبهة العمل الإسلامي.
وفي ظني، أن انتهاء محكومية بني ارشيد، في توقيت متزامن مع ولوج الحركة لحظة انتخابات داخلية، وترتيبات تنظيمية جديدة، ربما يكون من الصدف الجيدة ... ذلك أنه سيكون بمقدور الرجل القوي، أن يتدخل قبل فوات الأوان، بهدف إحداث تغيير جدي، في سيرورة تطور الأحداث داخل الجماعة والحزب ... وأحسب، أن كثيرين، ينتظرون اليوم ما الذي سيقدم عليه الرجل الثاني في الجماعة، المثير عادة للجدل، وكيف سيتصرف حيال “أقسى” تجربة اهتزاز داخلي تتعرض لها، وربما في تاريخها كله، لا سيما بعد الانشقاق الأخير، الذي تميّز عن سابقاته، كماً ونوعاً.
والترقب، لا يطبع مواقف نشطاء الحركة الإسلامية وحدها، ذلك أن “الشأن الداخلي” للجماعة، قد بات شأناً وطنياً أردنياً بامتياز ... ونحن نرى أن أكثر ما يُكتَب عن الجماعة، إنما يصدر عمّن هم من خارجها ... فالمسألة هنا، لا تتعلق بأكبر تيار سياسي – فكري في البلاد فحسب، بل وتتصل أيضاً بأولويات جدية ضاغطة، من نوع “حفظ الوحدة الوطنية” أو “صون أمن البلاد واستقرارها” ... لذلك، ليسمح لنا بني ارشيد، أن نخاطبه على هذا النحو المفتوح، وأن نستحثه، بعد أن نال قسطه من الراحة والترحاب، على إنضاج مبادرات تصالحية، تجمع شتات الجماعة، وتستنهض دورها، وتدفع بها في أتون المشاركة السياسية، وتدفعها لتطوير خطاب مدني – ديمقراطي في إطار مرجعياتها الأعرض، مستفيداً مما فعلت بعض الحركات في بعض التجارب الناجحة، وأن يتطلع للأمام وفي الداخل (داخل الحركة الإسلامية)، بدل النظر إلى الوراء والبحث عن أسباب لمشكلات الحركة من خارجها.
نعلم أن المهمة ليست سهلة، بعد تفاقم حدة الاستقطاب، واتساع شقة الفجوة والخلاف ... لكن بالنظر لأهمية المسألة، لا بأس من المحاولة، ولا بد من البحث في عمق القضايا الخلافية، وليس في قشورها أو على سطحها ... فمن الأسهل توجيه الاتهامات للحكومات والأجهزة بالمسؤولية عن تشقق الحركة الإسلامية وتشظيها، لكن ذلك لن يحل المشكلة أبداً، بل سيزيدها تعقيداً على تعقيد، إذ بفرض أن الحكومة والأجهزة سعت في التدخل في شؤون الحركة الداخلية، فإن نجاحهم في هذا المسعى، لن يكون ممكنا، من دون توفر “رؤوس جسور” لها في داخل الحركة، وعلى أرفع المستويات، ولولا ان الخلافات البينية، قد بلغت شأنا عظيماً، وأحياناً غير قابل للعودة، لما كان للتدخلات الخارجية أن تفعل فعلها.
وأدعو الأستاذ بني ارشيد، إلى عدم النظر للخلاف بوصفه مسألة داخلية، يحظر البحث فيه على من هم خارجها، وأن ينفتح على أية أفكار أو مبادرات ومساعٍ يمكن أن تأتي من خارج الحركة الإسلامية كذلك، فثمة كثيرون لهم مصلحة في حفظ وحدة الحركة من جهة، وتطوير خطابها السياسي الفكري من جهة ثانية، فنحن في ذروة حرب كونية مفتوحة، على التطرف والإرهاب، ومن الواجب أن نبحث عن قواسم ومشتركات وتحالفات، تمكن مختلف الأطراف والفاعليات، من القيام بأدوارها على هذا الصعيد.
وأدعوه لعدم الإصغاء للأصوات التي اعتادت التقليل من شأن ما حصل، وحصره في “التدخلات الخارجية” أو “المطامع الفردية”، لأفراد معينين، أو القبول بنظرية أن “الحركة تتقوى بلفظ العناصر الضعيفة والمتساقطة”، فكل هذه المقاربات، لم تمس، سوى سطح المشكلة، ولم تنفذ إلى عمقها، وقد آن الأوان لأن تعكف الحركة الإسلامية، على إجراء المراجعات المطلوبة، فما حصل في السنوات الخمس الأخيرة، في الأردن والمنطقة، هو زلزال على أعلى تدرجات مقياس ريختر، والحركة الإسلامية، كما غيرها من تيارات الفكر والسياسة، أخفقت في مواكبة هذا التطورات وتخلفت عنها، وقد آن أوان تطوير أدواتها ومناهجها ومرجعياتها، لاستيعاب دروس المرحلة واشتقاق البرامج الكفيلة بولوج عتبات مرحلة جديدة تطل برأسها، البعض يصفها بأنها “مرحلة ما بعد الإسلام السياسي” والبعض الآخر يرى أنها تتميز بأفول نجم الإخوان المسلمين.
هي دعوة تصدر من موقع المختلف عن الحركة الإسلامية، بيد أنها تنطلق موقع الحريص على “الوحدة الوطنية” و”أمن الأردن واستقراره”، والمؤمن بنظرية “لا ديمقراطية من دون الإسلاميين، ولا ديمقراطية ما لم يتبن الإسلاميون بعمق، قيم المدنية والتعددية ومبادئ حقوق الإنسان وقواعد الديمقراطية” ... أرجو أن تتسع لها الصدور وأن تجد طريقها للعقول.