نشرباتفاق مع دويتشه فيله
صحفية ألمانية من كولونيا حول الاعتداءات الجنسية في مدينتها ليلة رأس السنة
"اعتداء على حريتي وحرية جميع النساء في ألمانيا"
أنا ما زلت مصدومة؛ من مدينتي كولونيا، التي أعيش فيها منذ عدة أعوام. والتي لم يسبق لي فيها كامرأة أن شعرت بعدم الأمان. والتي كنت أسير فيها بنفسي أثناء الليل - وكثيرًا أثناء تبديل القطارات في محطة القطارات الرئيسية - وحيدة، من دون أن أحمل في جيبي رذاذ الفلفل، ومن دون خوف. والآن تعرَّضت هنا بالذات في محطة كولونيا الرئيسية العديد من النساء للمس أجسادهن، لاعتداءات وحشية، ولإهانات؟ سواء وهن برفقة أصدقائهن الذكور، أو في مجموعات، أو حتى مع أفراد آخرين من أسرهن؟ لا يزال هذا يبدو خياليًا للغاية.
ومع ذلك فأنا أعرف أنَّ هنا في ألمانيا أيصًا تعدُّ الفعاليات الجماهيرية الحاشدة مثل مهرجان أكتوبر في مدينة ميونيخ، وليلة رأس السنة الميلادية أو الكرنفال في مدينة كولونيا، من الأحداث الحسَّاسة التي لا يدخل أثنائها بين الحشود النشالون فقط، بل تتعرَّض أثناءها النساء أيضًا مرارًا وتكرارًا لتحرُّشات جنسية. وكذلك لقد أحسست أنا أيضًا ذات مرة أو أكثر من مرة بيد تلمس مؤخرتي من دون سابق إنذار. ولكن لقد كان بوسعي الدفاع عن نفسي - لفظيًا، أو بصفعة على وجه الشخص الذي يلمسني أو لأنَّ أشخاصًا آخرين تدخَّلوا للمساعدة.
ليلة رأس السنة الجديدة 2016 في كولونيا كان لها بُعْدٌ مختلفٌ تمامًا. المرأة - حتى وإن كانت برفقة أحد ما - كانت عاجزة تمامًا مقابل مجموعة من الرجال، امتدَّت "أيديهم فجأة إلى كلِّ مكان في جسدها"، مثلما تقول بعض النساء الضحايا. وحتى الآن من غير المعروف على وجه التحديد كم كان عدد النساء اللواتي تعرَّضن في تلك الليلة لاعتداءات أو تحرُّشات جنسية. ربما كان عددهن فقط خمس عشرة امرأة، مثلما ذكرت القناة الألمانية الأولى في برنامجها الإخباري بانوراما، أو ربما كان هناك نساء أكثر بكثير، لم يقمن بتقديم أية شكوى.
من جانبها تحدَّثت شرطة كولونيا حول وجود أكثر من تسعين شكوى جنائية (وارتفعت عدد الشكاوى إلى أكثر من 766 شكوى إثر أحداث رأس السنة بينها 497 وقائع تحرش جنسي) تم تقديم بعضها بسبب السرقة وبعضها الآخر بسبب اعتداءات جنسية. وكذلك حول وجود نحو ألف شخص، قاموا بأعمال شغب عند المحطة وقد خرجت من بينهم "مجموعات تصل إلى عشرين رجلاً" وهاجموا النساء. والواضح أنَّ هؤلاء النساء لم تتم مهاجمتهن من قبل جناة منفردين. وكذلك فإنَّ هذا الشيء لم يحدث في زقاق مظلم، بل مقابل مبنى محطة القطارات وفي وسطه.
بدلاً من خروج الحماية من الجمهور تحوَّل الجمهور إلى خطر
لقد كان يدخل دائمًا ضمن شعوري بالحياة كامرأة أعيش في ألمانيا أن أستطيع الشعور بالأمان في كلِّ مكان يوجد فيه أشخاص آخرون. ولم أكن أشعر بعدم الأمان إلاَّ هناك، حيث لم يكن يوجد تقريبًا أي شخص، يمكن أن يساعدني - أي في محطات قطارات الضواحي المظلمة، وفي المناطق السكنية المنعزلة، وفي الحدائق العامة. ولكن ليس في محطة قطارات كولونيا الرئيسية - مع كلِّ محلاتها وأكشاكها المخصصة لبيع الطعام، ومع موظَّفي المحطة، وكاميرات المراقبة، وتواجد رجال الشرطة وكذلك وقبل كلِّ شيء مع وجود أشخاص كثيرين. في تلك الليلة انقلب الافتراض الأساسي رأسًا على عقب: فبدلاً من توقُّع خروج الحماية من الجمهور تحوَّل الجمهور إلى خطر محتمل.
لا أريد الحفاظ على مسافة "بطول الذراع" عن الرجال الغرباءوهكذا وعلى الرغم من أنَّني لم أكن تلك الليلة في محطة القطارات الرئيسية، إلاَّ أنَّني أشعر أيضًا، كامرأة كولونية، أو ألمانية، بأنَّني كامرأة أتعرَّض للمس جسدي تمامًا مثل الضحايا الحقيقيات. وعلى الرغم من أنَّه سيكون من الخطأ أن نقارن هذه الأحداث باعتداء إرهابي: ولكن في تلك الليلة تعرَّضت حرِّيتي، بل وحتى حرِّية جميع النساء في ألمانيا لاعتداء.
كون النساء هنا في ألمانيا يستطعن أن يتحرَّكن بحرِّية، ويستطعن أن يرتدين ما يحلو لهن وبعكس ما تنصح به رئيسة بلدية مدينة كولونيا هينريته ريكَر في صيغة تعيسة إلى حدّ ما كإجراء وقائي أرى أنه لا يتعيَّن على النساء الحفاظ على مسافة "بطول الذراع" عن الرجال الغرباء، فهذا يعتبر واحدًا من أكبر الحقوق، التي انتزعناها نحن النساء (أو بعبارة أكثر دقة: انتزعتها أمَّهاتنا وجداتنا) هنا في ألمانيا.
وحتى وإن كانت بعض النساء والفتيات سوف يرتدين في الكرنفال القادم التنانير القصيرة وجوارب شبكة صيد السمك (وبالمناسبة في ليلة رأس السنة الجديدة كانت معظم النساء يرتدين معاطف سميكة وقُبَّعات شتوية)، فإنَّ هذا لا يمنح أي رجل في العالم الحقَّ - مهما كان شكل نواياه - ليمسك مؤخراتهن وصدورهن أو يضع يده بين سيقانهن. سواء كان هذا الرجل "يبدو بحسب مظهره من العالم العربي أو من شمال أفريقيا"، وسواء كان ينتمي إلى عصابة إجرامية تريد السرقة، أو سواء كان رجلاً من منطقة راينلاند يرتدي زي دُبٍّ وربما قد شرب الكثير من كؤوس الخمر. فالتحرُّش بالنساء يعتبر من المُحَرَّمات، ليس فقط عندما يصل الأمر إلى الاغتصاب. ومن المفترض على أبعد تقدير أن يكون الهاشتاجaufschrei# (بمعنى: صرخة) قد أظهر ذلك.
ميدان التحرير الخاص بمدينة كولونيا؟
عندما بات معروفًا منذ الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في عام 2011، أنَّ هناك نساءً كانت تتم محاصرتهن مرارًا وتكرارًا وطيلة أعوام من قبل مجموعات من الرجال داخل ميدان التحرير في القاهرة وفي ظلِّ وجود أشخاص يتظاهرون سلميًا، وكذلك كان يتم الاعتداء عليهن جنسيًا واغتصابهن، أدَّى هذا إلى احتجاجات في جميع أنحاء العالم. وفي هذه الأثناء تمت محاكمة العديد من الرجال بالسجن مدى الحياة بسبب الاغتصاب. ولكن مع ذلك فإنَّ الكثيرات من المصريات لا يزلن يتجنَّبن الحشود.
ما علاقة ذلك بمدينة كولونيا؟ من ناحية: أنا لا أريد أن أفكِّر فيما إذا كان لا يزال بإمكاني أن أدخل إلى عربة مترو مزدحمة في مدينتي كولونيا أو أنَّني سوف أضع نفسي من خلال ذلك في خطر. ومن ناحية أخرى: إذا كانت ألمانيا تريد -وهذا ما يجب عليها فعله- مواصلة الدفاع عن حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، فعندئذ يجب أيضًا تطبيق سياسة "عدم التسامح" مع الجناة هنا في ألمانيا.
يجب العثور على الجناة ومحاكمتهم. فعندما لا نحلُّ المشكلة في كولونيا وهامبورغ وشتوتغارت أو في أي مكان آخر، فعندئذ نفقد مصداقيَّتنا في الهند وجنوب أفريقيا والمغرب العربي وفي جميع أنحاء العالم. ولذلك يجب علينا أن نأخذ المادة الأولى من قانوننا الأساسي بشكل حرفي: "كرامة الإنسان مقدَّسة لا يجوز المساس بها". وفي ألمانيا نحن لسنا في حاجة لأن نضيف أنَّ هذا ينطبق على النساء وكذلك على الرجال بصورة متساوية.
سارة يوديت هوفمان
ترجمة: رائد الباش