شعوب السكيزوفرينيا لا علاقة لها بالتسامح محمد
المشماش*
"قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد
لأن أموت دفاعاً عن رأيك"
عرض فولتير في كتابه مجموعة من الوقائع و الامثلة
التي تبرز التعصب و الاضطهاد الذي يمارس باسم الدين و من بين هذه الوقائع حادثة وقعت
قبل صدور كتابة بسنة, فضيحة اهتزت لها كل القلوب الرحيمة بل وحتى القلوب التي لا يشملها
العطف الالهي, اقترفت باسم حماية الدين المسيحي الكاثوليكي في مدينة "تولوز"
الفرنسية جريمة ذهب ضحيتها جون كالاس التاجر البروتستانتي الذي عذب أشد أنواع التعذيب
لكي يعترف بجريمة لم يقترفها, و كيف له أن يقر بأنه قام بشنق ابنه البكر الذي لازال
يتحسر و يذرف الدموع على فراقه, كان "جون كلاس" تاجرا يدين بالبروتستانتية
هو و عائلته الصغيرة المكونة من الزوجة و ابنين و ثلاث بنات, الابن البكر اعتنق الكاثوليكية
و رغم خروجه عن ديانة الأب إلا أن هذا الأخير اقتنع بالأمر و لم يزعجه تحول ابنه البكر
عن معتقد الأسرة, لكن ما سيحدث هو أن الابن البكر "مارك أنطوان" قام بشنق
نفسه نظرا لأنه لم يكن راض عن حياته لأنه أفلس جراء تعاطيه للقمار, بالإضافة إلى فشله
في الوصول إلى ما كان يصبو إليه, و لأن الابن المنتحر "مارك أنطوان" كان
يدين بدين غالبية سكان تولوز. تعالت الأصوات في المدينة تتهم الأسرة البروتستانتية
بقتل ابنها لأنه ارتد عن دينهم, مما اضطر بجهاز القضاة في ذلك الوقت بالحكم على الأسرة
بالإعدام أمام الملأ, رغم عدم وجود أي دليل يؤكد على أن الأسرة قتلت ابنها شنقا, و
بعد مداولات بين هيأة القضاة تم إعدام الأب و نفي الابن الأصغر و حرمان الأم من بناتها
اللاتي حجرن داخل دير من الأديرة, رغم أن الأسرة بريئة من دم ابنها الذي ضمته إليها
رغم ارتداده عن دينها.
في هذه الجريمة التي اقترفت باسم الدين يوضح فولتير
ضرورة تجاوز الصراعات الجوفاء التي تقوم باسم المعتقد, و مجاولة تحكيم العقل لتفادي
الفتن و الاقتتال و الاقصاء الذي يمارس باسم الدين, هذه المقالات و الرسائل هي التي
أخرجت أوروبا من عصر الظلمات التي كانت ترزح تحت وطأتها لعدة قرون, بهذه الصيحات استطاع
الغرب التخلص من وحش الأنانية و المصالح الذاتية و النزعات الفردية التي تركت رائحة
التعذيب و الدم وراءها لأسباب تافهة لا علاقة لها لا بالدين و لا بالواقع, سببها أغبياء
و معتوهين استغلوا الدين لأمور سياسية أو شخصية.
فأين نحن من هذا يا ترى؟ الفرق هو ببساطة نعيش في
مجتمعات السكيزوفرينيا, مجتمعات اللاعقل, التخلف, لا مكان فيها للكلمة الحرة, نعيش
التناقضات يشتي أشكالها, العربي هو الإنسان الذي يستطيع العيش بألف وجه, هو الذي يخال
نفسه الكل مع أنه لا شيء, في المجتمعات العربية لازال القتل باسم الدين تقربا إلى الله
حتى من داخل الدين الإسلامي(السنة و الشيعة),لا زالت المرأة الة للإنجاب, لا زال شبح
التكفير يرخي علينا بظلاله الوارفة, لازال القتل و التعذيب بل و حتى الرق و استعباد
النفوس التي خلقها الله حرة باسم الدين, كل من له كبت دفين نحو الإنسانية يمارسه باسم
الدين, يوزع النبوءات, ويمنح الجزاءات و العقاب و الجنة و النار لمن يشاء و كأنه وكيل
الله في الأرض, كل هذا سببه تسييس الدين و تعطيل إعمال العقل و فسح المجال للخرافة
و الهمجية,فالإنسان العربي مثلا يعرف من خلال تكوينه الأولي أن العربي هو إنسان مسلم,و
الكفر مرتبط بالنصارى و اليهود ,أو أن المحبة و الصفاء و اللطف و نقاء الروح و التسامح
مرتبطة بالعربي المسلم و الباقي نكرة و حيوانات و كائنات مدنسة روحهم أبخس و أدنى درجة
من المسلم المؤمن الذي تقارب طهارة روحه الملائكة هذا ما سماه الدكتور مصطفى حجازي
في كتابه "سيكولوجية الإنسان المقهور"عملية إسقاط الأنا على الاخر نقصها
و تخلفها الناتج عن أشكال متعددة من القهر(قهر التسلط, قهر المعتقدات الجامدة التي
تشل الفكر ...), هذا الإسقاط من شأنه أن يخفف عنها أزمتها الوجودية الخانقة, أزمة سببها
طبقات مترسبة من القمع و القهر قد تتزيا في بعض الأحيان بأزياء خلقية - سلبية بطبيعة
الحال- (كالنظام, طاعة ولي الأمر, احترام الأكبر سنا) و عنما يعشعش الإرهاب و الخوف
في العقل الباطن للإنسان المتخلف يبرز التجلي الواضح لعقلية الرضوخ و الخنوع و الانهزامية
و يحيط العربي شخصيته بالهويات الجبرية المقدرة التي تشل كل إمكانيات الاختيار و التفكير
و النقد...........خلاصة القول: مجتمعات السكيزوفرينيا لا علاقة لها بالتسامح.
أستاذ الفلسفة بمدينة بوجدور
mohammedmchamech
mohammed.elmchamech@gmail.com