المحفوظ فضيلي
يوما بعد آخر تتأكد الحقيقة القائلة منذ عدة سنوات
إن "الإنترنت هي مستقبل الصحافة"،
وإن مصير مهنة المتاعب سيحسم في ومضات
العالم الافتراضي، وإن عهد الورق والحبر سيتوارى تدريجيا دون أن يختفي بشكل نهائي من
المشهد كما لم تختف شاشات قاعات السينما وسحرها بعد اختراع جهاز التلفزيون.
وبدأت الصحافة الورقية تدخل بيت الطاعة الافتراضي
مع انتشار الإنترنت وخاصة استعمال الحواسيب، لكن وتيرة ذلك التطور تسارعت في السنوات
القليلة الماضية مع ظهور الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، وهو ما أحدث ثورة ناعمة
في التعاطي مع الأخبار إنتاجا ونشرا وقراءة ومتابعة.
في ظل هذا التحول الجذري الذي تعزز خصوصا مع شبكات
التواصل الاجتماعي بدأت الكثير من المفاهيم الأساسية في العملية الإعلامية تحتاج لإعادة
نظر انطلاقا من مفهوم الصحفي والجمهور وأخلاقيات المهنية وصولا إلى جوانب أخرى تتعلق
بمصادر الأخبار وآليات الحصول على المعلومة...
لم يعش الناس في العالم العربي هذا التحول كما حصل
في دول غربية ذات تقاليد إعلامية متجذرة وراسخة، إذ انحنت منابر إعلامية ذات صدى دولي
أمام المد الرقمي، وآخر وأشهر تلك المنابر التي أسلمت الروح للعالم الافتراضي صحيفة
إندبندنت البريطانية ووراءها صفحات مجد ناصعة إذ كانت في فترة من الفترات من أقوى الصحف
توزيعا وتأثيرا.
اختفاء وتكيف
وقبل ذلك بسنوات جفّ حبر عدة منابر بينها مجلة نيوزويك
وصحيفة كريستيان سياينس مونيتور، في وقت باتت صحف أخرى مرموقة من قبيل غارديان البريطانية
تفكر في طي صفحة العهد الورقي والاكتفاء بالبقاء على الشبكة العنكبوتية ومشتقاتها من
تطبيقات وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن موجة الرقمنة العارمة لم تغمر بالكامل كل المنابر
إذا لا تزال الأكشاك مكتظة بالصحف والمجلات وإن كان حجم انتشارها في تراجع متواصل،
وهو ما يدفعها إلى التفكير باستمرار في آليات للتكيف والتأقلم مع متطلبات العهد الجديد.
وتعتبر صحيفة نيويورك تايمز نموذجا للمقاولة الإعلامية
التي تعكف منذ سنوات وبكل الوسائل على التعايش مع مرحلة العصر الرقمي بما يطرحه من
تحديات ومتطلبات، وتجلى ذلك المسعى في توظيف مالك الجريدة لمدير عام تنفيذي جديد هو
مارك طومسون القادم من بريطانيا وخلفه نجاحات مهنية عنوانها "الرقمنة" من
خلال قيادته هيئة الإذاعة البريطانية من 2004 إلى 2012.
وكما أن التلفزيون لم يقض بشكل نهائي على السينما
كما توقع كثيرون مع دخول الشاشة الصغيرة إلى البيوت، فإن الحسم في المعركة بين الورقي
والإلكتروني لا يلوح في الأمد القريب، إذ إنه خلافا للاعتقاد السائد بتلاشي العهد الورقي
تظهر بين الفينة والأخرى صحف ومجلات جديدة.
مواليد جدد
فقبل نحو شهر أطلقت الشركة البريطانية التي تصدر
صحيفة دايلي ميرور ذات الميول اليسارية، صحيفة يومية جديدة اسمها "اليوم الجديد".
وقرر المالكون ألا يكون للوليد الجديد موقع إلكتروني، وأن ينحصر حضوره الرقمي على شبكات
التواصل الاجتماعي.
وفي العالم العربي، حيث تشير الأرقام والإحصائيات
إلى أن التلفزيون لا يزال هو المصدر الأول للأخبار، دخلت صحف بارزة في العد التنازلي
لاختفائها من الأكشاك كما حال صحيفتي "السفير" و"النهار"، وهو
تطور قد يشمل صحفا عربية أخرى.
في مقابل ذلك التوجه نحو الاختفاء، أطلقت مجموعة
دار الشرق القطرية صحيفة متخصصة اسمها "لوسيل"، وقبل نحو عامين انطلقت من
لندن صحيفة "العربي الجديد" ولا تزال تواصل الصدور والحضور في أكثر من مدينة
عربية وأجنبية.