خاص
بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية ومؤسسة "دانميشن"، وفي إطار "برنامج الشراكة الدنماركية العربية"، انعقد في بيروت يومي الرابع والخامس من آذار / مارس الجاري، مؤتمر "صورة الآخر في المناهج التعليمية في دول الإقليم" بمشاركة أكثر من ستين نائباً وخبيراً تربوياً ومسؤولين من وزارت التربية والتعليم وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة، جاءوا من ست دول: لبنان، الأردن، فلسطين، سوريا، العراق ومصر، فضلاً عن خبراء وأكاديميين من الدانمارك.
وعلى مدى يومين كاملين، ناقش المؤتمرون ثلاثة محاور رئيسة: "صورة الآخر في المناهج والعمليات التربوية في الدول الست"، "الدين والهوية في العملية التربوية" و"إصلاح الإطار التشريعي الناظم لعملية التربية والتعليم"، وخصص المؤتمر جلسة لاستعراض التجربة الدنماركية في الانتقال من دون "دولة الدين الواحد" إلى دولة ترعى التعددية الدينية والاثنية والقومية وتكفلها، ودور المناهج في معالجة إشكاليات "الهوية والاندماج والتنوع".
توقف المشاركون المشاركات أمام إشكالية "غياب" أو "تشويه" صورة "الاخر" في المناهج والمقررات المدرسية والعمليات التربوية في الدول الست، وعرضوا لنماذج من الكتب المدرسية المقررة، التي تلحق أفدح الضرر بصورة الآخر والشريك في الوطن، لمجرد الاختلاف في الدين والمذهب والقومية والعرق والجندر، ورأوا أن الإصلاحات التي أدخلتها حكومات بلدانهم على المناهج ما زالت تتسم بطابع سطحي وتجميلي، ولا ترقى إلى مستوى تطلعات مجتمعاتهم في إشاعة ثقافة العيش المشترك والاعتراف بالآخر واحترامه، وقبول التعددية والتنوع المثريين للحياة الاجتماعية والثقافية والروحية لمواطني بلدانهم، كما لاحظوا إخفاق المناهج في الدول المذكورة في التربية على مفهوم "المواطنة المتساوية والفاعلة" وقيم ومبادئ حقوق الانسان، واحترام الخصوصيات والانتماءات المختلفة، دينياً ومذهبياً وقومياً وإيديولوجياً.
ورأى المشاركون والمشاركات، أن "المدرسة العمومية" في بلدانهم، أخفقت في أداء رسالتها في خلق أجيال من الشباب والشابات "المحصنين" في مواجهة ثقافة الغلو والتطرف والإقصاء والإلغاء، وبناء هويات وطنية جمعية وجامعة، والتصدي لتفاقم ظاهرة "الصراع الهوياتي" في المنطقة، ما سمح بانتشار الانقسامات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية، وأدى إلى أضعاف دور النساء وتهميش مكانة المرأة في الحياة العامة لبلدانهم، محملين الحكومات في بلدانهم، المسؤولية الأولى، عن تراجع مكانة "المدرسة العمومية"، وتفشي ظاهرة التعليم الخاص والديني في كثير من الدول، وضعف مخرجات العملية التربوية والتعليمية وإخفاقها في تخريج أجيال متملكة للمهارات التي تؤهلها للمنافسة في عالم اليوم ومعاييره الدولية المتقدمة.
وتوقف المشاركون والمشاركون مطولاً أمام بعض مظاهر الإخفاق في العمليات التربوية الجارية في دولهم، فشددوا على أهمية التربية على "التفكير النقدي" الطلاب والطالبات، واعتماد معايير "الإبداع" بدل الاتباع"، وبناء الشخصية المستقلة بدل الشخصية المُقلّدة، وتدريس مختلف الأديان والمذاهب والفلسفات والفنون بصورة موضوعية ...
كما حذروا من التبعات المترتبة على تفشي ظاهرة "المنهج الخفي" في المدراس، حيث يتولى معلمون غير مؤهلين، وخلف أبواب مغلقة، بث تصوراتهم ومعتقداتهم الخاصة وزرعها في عقول الطلاب والطالبات، وبصورة تفقد المدرسة العمومية (الوطنية) دورها ورسالتها.
وجرت نقاشات مستفيضة بين المشاركين والمشاركات، حول الدور الذي تضطلع به "المدارس الدينية والمذهبية"، فشددوا من جهة على الحاجة إليها لملء الفراغ الناجم عن تراجع دور المدرسة العمومية، بل و"عدم كفاية" الخدمات التعليمية والتربوية الحكومية في بعض الدول، وحذروا من جهة أخرى، مما يمكن أن يترتب على هذه الظاهرة، من انتشار للأفكار المتطرفة وثقافة الكراهية، المنتقصة من صورة الآخر والمسيئة له.
وبالنظر لحساسية الأدوار التي يطلعون بها، أولى المشاركون والمشاركات، اهتمام خاصاً بواقع المعلمين والمعلمات في المدارس العمومية في بلدانهم، وحاجتهم الماسة للتدريب والتأهيل، وضرورة إخضاعهم لبرامج إعداد متطورة، لتعزيز مهاراتهم، وتعميق وعيهم برسالة المدرسة ودورها، وشددوا على وجوب تحسين ظروفهم المعيشية، بما يليق بدورهم التأسيسي للأجيال المتعاقبة.
وطالب المشاركون والمشاركات، حكومات وبرلمانات دولهم، بإجراء أوسع وأعمق عمليات المراجعة والتنقيح، للبيئة الدستورية والتشريعية الناظمة لعملية التربية والتعليم في بلدانهم، محذرين من استمرار عمليات التمييز بين المواطنين في دساتير بعض هذه الدول وتشريعاتها، على أساس الدين والمذهب والجندر والعرق واللسان، وتوقفوا مطولاً أمام أثر هذا التمييز، وتأثير بعض الصياغات "الملفقة والتلفيقية" على فلسفة التربية والتعليم في بلدانهم، وانعكاسات كل ذلك، على دور المدرسة العمومية ووظيفتها.
وبعد أن اطلع المشاركون والمشاركات، على تجربة الدنمارك في الانتقال من دولة الدين الواحد، إلى دولة التعددية الدينية والثقافية والعرقية، ودور المناهج والمدرسة الريادي في تكريس ثقافة والتنوع، واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية والقومية والعرقية والقبول بها، رأى المشاركون، أن اختلاف السياق الثقافي والحضاري بين التجربتين الدنماركية والعربية، لا يمنع الاستفادة من كثيرٍ من قصص النجاح والتعلم من دروس التجربة، ودعوا لمزيدٍ من التثاقف وتبادل الخبرات بين الجانبين في هذا المضمار الهام والحيوي.
وتوافق المشاركون والمشاركات، على أن يقوم مركز القدس للدراسات السياسية، بإعداد تقرير تفصيلي عن وقائع المؤتمر، متضمناً التوصيات والمقترحات التي وردت في أوراق العمل ومداخلات المشاركين والمشاركات، فيما يشبه "خريطة الطريق" لإصلاح المناهج والعمليات التربوية، وتعهدوا كل من موقعه، بالعمل بروحية الفريق الواحد، على نشرها وتوزيعها، وحشد التأييد لها في بلدانهم ومجتمعاتهم، والسعي لإقناع حكوماتهم وبرلماناتهم، بالعمل على تبنيها والأخذ بها، كما قرر المشاركون والمشاركات، أن يقوم مركز القدس، بجمع وتنقيح وقائع المؤتمر، لتصدر في كتاب يحمل عنوان المؤتمر، ويوثق لمداولاته الغنية.
وشارك في المؤتمر نواب ونائبات من لجان التربية والتعليم في عدد من برلمانات الدول المذكورة، فضلاً عن أكاديميين وخبراء ومختصين، ورجال دين إسلامي ومسيحي يمثلون مذاهب وجماعات عديدة، وقادة مجتمع مدني، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين من وزارات التربية والتعليم، وممثلين عن العديد من الصحف ووسائل الإعلام.