يرى عدد من الخبراء والاختصاصيين في الليسانيات،
وبعض المؤرخين الذين حاورتهم “الخبر” بشأن الحروف الأفضل لكتابة اللغة الأمازيغية بعد
ترسيمها، أن الحروف
العربية هي الأنسب لكتابتها، لكنهم اقترحوا إرجاء مسألة الفصل نهائيا
في هذه القضية، وتركها للمستقبل وهذا الطرح قد يكون مَخرجاً من الحروب اللّغوية، ولكن
يكون لفترة زمنية معيّنة.
الدكتور عبد الرزاق دوراري
“علينا أن نبقي على
التعدد في حروف كتابة الأمازيغية”
أوضح الدكتور عبد الرزاق دوراري، أنه يجب مراعاة ثلاثة مقاييس عند الحديث
عن مسألة الحروف التي تكتب بها اللغة الأمازيغية، وهي المقياس البنيوي المتعلق ببنية
اللغة، والمقياس الاجتماعي اللغوي الشامل، أما المقياس الثالث فهو المتعلق بالجانب
اللغوي المحلي أو الجهوي.
أوضح الدكتور دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي
واللغوي لتدريس الأمازيغية، أن بنية اللغة ترتبط بالانتماء إلى فصيلة لغوية. والفصيلة
اللغوية التي تنتمي إليها اللغة الأمازيغية هي الحامية السامية، أو الأفرو أسيوية،
وأوضح قائلا “ونجد ضمن هذه الفصيلة اللغة العربية الكبيرة جدا، والكثيرة الانتشار،
واللغة السريانية والآرامية والقبطية والأمازيغية. كل هذه الفصيلة تشترك في مجموعة
من المواصفات البنيوية الصوتية منها والمعجمية والصوتية والتركيبية. أما حروف الكتابة
لديها فترتبط بنظام اللغة الصوتي. فما يجمع كل هذه الفصيلة اللغوية من الناحية الصوتية
هو أن مخارج أصواتها بأغلبيتها من وراء الجهاز الصوتي. من ناحية أخرى، اللغات الأخرى
الهندو أوروبية نجدها في مقدمة الجهاز الصوتي على غرار الفرنسية، الاسبانية، الايطالية
...الخ”.
ويرى الدكتور دوراري، أن كل حروف الكتابة العالمية هي مجرد تكييف للكتابة
الفينيقية الأولى “إذن الكتابة العربية هي مجرد تكييف للحروف الفينيقية الأولى من الأبجدية
مرورا بطريقة الكتابة، وأضاف: “جميع اللغات التي تنتمي الى نفس الفصيلة وبما أنها تشترك
في الميراث الصوتي، يجب أن تستعمل نفس حروف الكتابة، فنجد مثلا الحرف العربي يتطابق
إلى درجة كبيرة من الناحية الصوتية مع النظام الصوتي الأمازيغي. وإذا أخذنا المقياس
البنيوي فكان علينا أن نختار من جملة الكتابات الموجودة حاليا إما العربية أو العبرية
أو غيرها، لكن الصوت الأقرب نظرا للتعايش التاريخي القديم جدا بين الأمازيغية والعربية
يجعل الحرف العربي أقرب لكتابة اللغة الأمازيغية”.
وبخصوص المقياس الاجتماعي اللغوي الشامل، يرى الدكتور
دوراري، أن المجتمع الجزائري تحوّل عبر التاريخ من مجتمع ناطق في أغلبيته بالأمازيغية
الى مجتمع ناطق بالعربية الجزائرية الأقرب إلى المجال الناطق بالعربية. إذ بداية من
القرن الثالث عشر ميلادي تحوّل المجتمع الجزائري وسكان منطقة المغرب الكبير من متكلمين
بالأمازيغية إلى متكلمين بالعربية الجزائرية أو المغاربية. أضف الى ذلك أن اللغة المهيمنة
الآن هي اللغة العربية، كلهذه المقاييس الاجتماعية اللغوية الثقافية تؤدي إلى اختيار
الحرف العربي مرة ثانية. وبشأن المقياس اللغوي المحلي أو الجهوي، قال الدكتور دوراري،
إن التجربة التاريخية في بلادنا جعلت الأمازيغية في مختلف تنوعاتها اللغوية تتخذ أشكالا
مختلفة للكتابة. “ففي منطقة القبائل، الحرف الغالب هو الحرف اللاتيني، وفي منطقة الشاوية
الحرف العربي، وعند التوراڤ التفيناغ. وبما أن الدولة استجابت لمطلب شعبي بالنسبة لإعلاء
مكانة اللغة والثقافة الأمازيغية، فعلينا أن نستجيب للمجتمع كما يطلب. ففي مرحلة أولى
ينبغي أن نبقي على التعدد في حروف الكتابة كما نبقي على تعدد التنوعات اللغوية، فلا
داعي للتوحيد، وعلى الأكاديمية أن تهيئ كل تنوع لغوي في كل مستوياته على حدا”. والمقصود
حسب الدكتور دوراري “هو التوصل إلى نوع من الهدوء في المطالبة بالهوية، والدخول أكثر
في فضاء المواطنة والحداثة حتى نخرج من مرحلة التشنج اللغوي، وتشنج الهويات وتقوية
ركائز دولة الديمقراطية والمواطنة