الحرية أمل مرموق لا يَنِي الإنسان عن التطلع إليه، حتى لتبدو الحضارة أحيانًا وكأنها صراع بين الضرورة ورغبة الإنسان في الحرية بكافة مستوياتها، الفردية والاجتماعية
والروحية. ومع ذلك فكل نوع من الحرية له شروطه وانضباطاته كي يطيب للإنسان ويصفو؛ فحرية العقيدة مشروطة بعدم الاعتداء على عقائد الآخرين، وحرية السلوك مشروطة بآداب وقيم، والحرية الاقتصادية يحدها — أو يجب أن يحدَّها — عدم الاستغلال، وهكذا وهكذا، عدا حرية الفكر؛ فإنني لم أستطع أن أقتنع بأنه يجب أن تحدها حدود، أو تقيدها شروط؛ ذلك أن هدفها الأول والأخير هو الحقيقة، والحقيقة لا تتجزَّأ، ولا يُغنِي بعضها عن البعض الآخر، ولا يجوز لإنسان أن يستهين بها، وهي أساس حياته وبقائه وماله.
ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن الفكر الحر لا يخطئ، ولكن لا سبيل إلى تصحيح الفكر إلا بالفكر نفسه، ولا عمل هنا لأي قوة خارجية. والتفكير مهمة شاقة وأمانة خطيرة، يتطلَّب صبرًا وكدحًا وعبقرية، فكيف نثقله إلى ذلك بقيود مصطنعة، وشروط تعسفية؟! ونحن ما زلنا نستورد العلم — نظرياته وتطبيقاته — ونلهث وراء اكتشافاته، ولم نكد نُسْهِم في الفكر العالمي بشيء يذكر، فما أجدرنا بأن نؤمن بحرية الفكر ودعمها وإطلاقها دون قيد أو شرط.
عن موقع هنداوي