خاص
عاد للواجهة من جديد المقترح القديم الجديد لعسكر مصر بإقامة دولة فلسطينية (بديلة) في شبه جزيرة سيناء، لكن هذه المرة لم يكن من خلال افتراء مقصود
على الرئيس المصري محمد مرسي والذي كرره إعلام السيسي سابقاً وتلقفه محمود عبّاس في أكثر من مناسبة دون اي دليل أو اثبات أو حتى تقرير من أي جهة يثبت صحة ادعاءاتهم وافتراءاتهم...
ونقول القديم الجديد لأن هذا المقترح (توطين الفلسطينيين في سيناء أو إقامة دولة بديلة) عُرض لأول مرة إبان حكم جمال عبد الناصر حيث وافقت حكومته حينها على مشروع توطين قسم من لاجئي قطاع غزة في سيناء وعقدت اتفاقا مع وكالة الغوث يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدان تقام عليها عدد من المشاريع.
مشروع جمال عبد الناصر لتوطين الفلسطينيين شمال غرب سيناء
"في 14 تشرين الأول عام 1953 توصلت وكالة الغوث مع الحكومة المصرية إلى اتفاق محدد تقدم مصر بموجبه 230 ألف مدان من الأراضي الصحراوية إلى وكالة الغوث لإجراء اختبارات زراعية فيها مع إعطاء وكالة الغوث الحق بانتقاء 50 ألف فدان من بينها من أجل أعمال التطوير الزراعي لمصلحة اللاجئين شريطة أن تقوم مصر بإيصال كميات كافية تصل إلى حدود 1 % من حجم مياه نهر النيل سنوياً لا رواء هذه الأراضي، وقد استغرقت أعمال هذا المشروع نحو ثلاثة أعوام من تاريخ توقيعه حتى 28 حزيران عام 1955، حين قدمت اللجنة الموكل إليها العمل تقريرها إلى وزير الدولة المصري لشؤون الإنتاج وإلى مدير الأونروا، وقد قدرت الفترة لتحقيقه كاملا بخمسة وعشرين عاما وقد جاء هذا في تقرير أعدته وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عام 1955 عن المشروع وأن عدد الذين سيرحلون نحو 59500 نسمة يشكلون 12200 أسرة منها 10 آلاف أسرة أسرة زراعية و 1750 أسرة خدمات و 700 أسرة بالقطاع الثانوي وقد قررت الفترة الزمنية اللازمة لتوطين الأسرة بعشرة أعوام وقد أمنح المشروع مجال زيادة عدد السكان وما تقتضيه هذه الزيادة من خدمات، فمن المتوقع حسب المشروع أن تصل الزيادة في عدد السكان خلال 25 عاماً إلى 85000 ألف نسمة"
وقد وثق حسين أبو النمل في دراسة نشرها في أبريل/نيسان من العام 1978 ما يلي:
"بعد قيام الثورة في مصر واستقرار الحكم نسبيا استؤنفت "المحاولات التي كانت قد بدأت قبل ذلك لتوطينهم"، وقد استفادت المحاولات اللاحقة من التجارب السابقة الفاشلة بعد أن تأكد المعنيون أن قضية التوطين ليست بالأمر السهل الذي يمكن تنفيذه ببساطة.
ومن هنا اتسمت المشاريع المطروحة بطابع أكثر تنظيما وعمقا، ومن هنا اتسمت المشاريع المطروحة فى مرحلة 1952-1955 بطابع أكثر تنظيماً وعمقاً"
وكان من أهم هذه المشاريع مشروع توطين اللاجئين في شمال غرب سيناء الذي ووجه بردود فعل تفيض بالسخط والقلق من جانب الفلسطينيين في قطاع غزة. وقد حاولت الإدارة المصرية تنفيس ذلك السخط، فأصدرت لهذه الغاية بيانين،أولهما في الثامن والعشرين من أيار (مايو) سنة 1953 وثانيهما في التاسع عشر من أيلول (سبتمبر) 1953،
وقد خاطب نائب الحاكم العام أهالي قطاع غزة قائلا:
"كانت بعض الصحف المحلية قد نشرت خلال شهر مايو سنة 1953، أن هناك محاولات لإسكان اللاجئين خارج فلسطين، مستندة في ذلك إلى ما نشر في بعض الصحف الخارجية حول مشروع تقدمت به هيئة الإغاثة الدولية التابعة لهية الأمم المتحدة لتشغيل وإسكان اللاجئين في شبه جزيرة سيناء، وغزة، مما دعانا إلى أن نصدر بياننا المؤرخ في 28/5/1953 نعلن فيه أنه قد أرجئ البحث في هذا الموضوع.
ولما كان هذا المشروع قد أصبح شاغلا للأهالي ومدار حديثهم، ولما تعلمه هذه الإدارة التي دأبت جاهدة على العمل لما فيه الخير والرفاھية للجميع، وتحقيقا لرغباتهم ليسرها أن تعلن لأھالي ومهاجري المنطقة جميعا، بأنه قد تمت مقابلة بين السيد قائد عام القوات المسلحة والسيد الحاكم الإداري العام للمنطقة الخاضعة لرقابة القوات المصرية بفلسطين، بخصوص ھذا الموضوع؛
وقد انتهت بالموافقة على أن إسكان اللاجئين ھو محل إعادة نظر السلطات المختصة في الوقتت الحاضر،ولن تتخذ فيه أية إجراءات أو خطوات إلا بما يحقق أماني الفلسطينين ومصالهم. ولذلك نلفت النظر إلى أن الحديث حول ھذا المشروع قد أصبح غير ذي موضوع. [حسين أبو النمل، قطاع غزة ،..، "ص84 –85"
ويعلق مؤلف الدراسة التي نشرها مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية على البيان الذي أصدره نائب الحاكم الإداري لقطاع غزة بقوله :
"كان نائب الحاكم الإداري لا يقول الحق، لأن الحكومة المصرية كانت قد اقترحت اعتبار نهر النيل كمصدر لمياه الري للأراضي الواقعة مباشرة شرق قناة السويس.
ونتيجة لهذا الاقتراح أتمت الوكالة في 30 يونيو عام 1953 إتفاقية برنامج مع الحكومة المصرية أتاحت الاحتفاظ بمبلغ 30 مليون دولار لأغراض أبحاث المشروع في شبه جزيرة سيناء وغزة والباقي ليستعمل في الإنشاء والاستيطان، إذا ما أثبتت الدراسات الأولية أن ھناك مشروعات عملية يمكن القيام بها.
أي أن تخوف اللاجئين والأهالي في القطاع كان له ما يبرره. وبجانب ذلك فقد اتفقت الحكومة المصرية ووكالة الغوث على إسناد المسئولية المشتركة عن إدارة الأبحاث والدراسات الخاصة بالمشروع، المحدد في الاتفاقية، إلى المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي، ممثلا للجانب المصري، وإلى مكتب وكالة الغوث في القاهرة ممثلا للوكالة،
وقد تم ھذا الاتفاق خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1953، أي بعد ما يقرب من شهر من صدور بيان الحاكم الإداري الأخير المشار إليه آنفا.
"ويمكن لنا اعتبار ھذا المشروع، الذي أعد خصيصا لتوطين لاجئي قطاع غزة من أكثر المشاريع خطورة، لأنه يطرح تصورا شاملا لكيفية تنفيذ المشروع "كذا"، كما أنه يعكس من الناحية الثانية الجدية الفائقة لوكالة الأمم المتحدة وللحكومة المصرية لتنفيذ ذلك المشروع،"
وقد رمى المشروع إلى زراعة خمسين ألف فدان في الشمال الغربي لسيناء لتوطين اللاجئين فيها ليتولوا زراعتها، وليعيشوا حياة عادية معتمدين على أنفسهم وعلى إنتاجهم.
كما اقترح قيام نوع من الحكم المحلي، مع أخذ التجمعات التي انتظم اللاجئون على أساسها بعين الاعتبار، بحيث يكون أبناء العشيرة الواحدة والقرية الواحدة في مستوطنة واحدة.
ولاستكمال العرض التاريخي هنا نقول أن سكان قطاع غزة هم من أسقطوا هذا المقترح/المشروع وبكل قوة، وهو الذي الأمر الذي واجهه عبد الناصر في حينها بالقمع والتنكيل بأبناء القطاع...
وفي العام 1955 خرجت مظاهرات عارمة في قطاع غزة ضد الحكم العسكري الناصري ومشاريع التوطين التي كان يسير فيها عبد الناصر وعسكره، وهو ما وثقه اليساريون الفلسطينيون ب"انتفاضة مارس التاريخية" ليقولوا:
"هذه الانتفاضة الباسلة التي فجرها الشيوعيون وحلفائهم عام 1955 بقيادة الرفيق المناضل معين بسيسو أمين عام الحزب آنذاك والتي حملت شعارات " لا توطين ولا إسكان،.. يا عملاء الأمريكان "," العودة،.. العودة حق الشعب ".
والتي شهدت اكبر مظاهرات عرفها تاريخ قطاع غزة وسقط فيها أكثر من 30 شهيدا على رأسهم الرفيق حسني بلال وهو أول شهيد وطني ضد مشاريع التوطين والرفيق المناضل " يوسف أديب طه " عضو الشبيبة الحزبية و الذي رفع العلم الفلسطيني على مقر الحاكم العسكري فما كان من احد رجالات الشرطة سوى إطلاق النار عليه فسقط شهيدا"،
في 05 آذار/مارس 1955، أصدرت الإدارة المصرية قرارا بفرض منع التجول في القطاع إلا أن المظاهرات والهتافات القادمة من المخيمات الوسطى أفشلت منع التجول، وبدأت المفاوضات بين الفلسطينيين والادارة المصرية، وتركزت مطالب الجماهير الشعبية وقيادتها حينذاك فيما يلي:
- إلغاء مشروع التوطين في سيناء فورا.
- تدريب وتسليح المخيمات الفلسطينية لتتمكن من الدفاع عن نفسها.
- فرض التجنيد الإجباري وتشكيل جيش وطني فلسطيني.
- محاكمة المسئولين عن الذي أمر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين.
- إطلاق الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الاجتماع والتعبير والإضراب.
وافقت الإدارة المصرية على إلغاء مشروع التوطين كما ورد أعلاه...
ينبغي التنويه هنا للدور الذي قام به عبد الناصر وعسكره في محاولة فرض التوطين على سكان قطاع غزة في صورة مشابهة حد التطابق لما يحدث اليوم من قبل عسكر السيسي...
وننقل هنا شهادات من عاصروا تلك الفترة وما كتبوه من واقع مشاركتهم المباشرة في تظاهرات رفض التوطين التي شهدها قطاع غزة ضد عبد الناصر وعسكره...
الشهادة الأولى:
" في مثل هذا الشهر قبل أكثر من نصف قرن،. وتحديدا في الفترة بين 1953 و 1955 كثرت مشاريع حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سواءا في الضفة والقطاع أو في دول الحوار العربية،.
كانت جميع المشاريع تتمحور حول توطين اللاجئين والتخلص من كونهم لاجئين،. طنا من الكيان الصهيوني مدعوما من الغرب وفي مقدمته امريكا، بأن حصول الفلسطيني على جنسية أخرى وتلهيته بغمل مربح سوف ينسيه الأرض،... والعرض معها،.
ما أذكره كان أقوى المشاريع،. مشروع أيزنهاور لتوطين عددا ضخما من عائلات اللاجئين الذين اكتظ بهم قطاع غزة محدود المساحة والمتصل بالكيان الصهيوني من جهة الشرق والشمال،. 12 ألف عائلة خطط لتجميعهم في كانتونات كتلك التي أقامها المهاجرين لأمريكا ووضعوا فيها سكان امريكا الأصليين والذين أسموهم بالهنود الحمر،..
المشروع كان يستهدف تحويل بقعة من أرض شمال غرب سيناء إلى كانتونات زراعية/صناعية،. وقد رصدت حكومة امريكا الأموال اللازمة لجعل حياة المعزولين الفلسطينيين في تلك الكانتونات غنية ومثمرة،.
فإنتاج تلك الكانتونات من محاصيل زراعية ومنجات صناعية سوف يتم تصديره إلى أوروبا وأمريكا،. وووووو
وفي 28 فبراير 1955 قامت عصابات من الجيش الصهيوني بالتسلل إلى مدينة غزة،. ومحطة القطارات تحديدا حيث قتلت العشرات من حرس الحدود المصريين والحرس الوطني الفلسطيني حديث الإنشاء فيما كانوا نيام في مهاجعهم بالمطة،.
فيما توجهت قوة أخرى لتنقض على نقطة البوليس الحربي المصري المشرفة على طريق غزة-رفح عند وادي غزة فأبادت الجنود المصريين المتواجدين في تلك النقطة وفي الخيمة التابعة لها،.
هذه الهجمة البربرية الشرسة والتي شاهد الفلسطينيون نتيجتها عشرات الجثث من الجنود النوبيين (عماد حرس الحدود)، في الوقت الذي بدأت تفوح فيه رائحة تبني وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لمشروع أيزنهاور، وحصول موافقة من حكومة الثورة المصرية التي لم تكن في وضع يسمح لها بالاصطدام بقوات الكيان الصهيوني،.
وتناهى إلى مسامع كبار رجال الحركة الوطنية في القطاع أن الوكالة قد انتهت من اختيار الأرض وبدأت في إعدادها لنقل العائلات الفلسطينية ولو قسرا إليها،.
تنادى زعماء فلسطين في القطاع لاجتماع شمل أطياف العمل الوطني الفلسطيني فاجتمع الشيوعيون والإخوان المسلمون وما بينهما من قوميون عرب ومستقلون،.
انتهى الاجتماع بدعوة عامة للتظاهر والعمل جماهيريا على إسقاط المشروع الصهيوأمريكي الخبيث،.
ظهيرة ذلك اليوم،. وقد خرجنا من مدارسنا لننضم إلى التظاهرة التي وصلت طلائعها على طريق صلاح الدين الذي يقطع قطاع غزة من شماله إلى جنوبه،. وصلوا إلى مخيم البريج والنصيرات فيما كانت أفواج متدفقة على طول الطريق لما تغادر مدينة غزة بعد،.
المسافة بين غزة والبريج/النصيرات حوالى 7 كيلومترات، كان ذلك طول الانتفاضة الشعبية العارمة والتي تصدرها قادة الحركة الوطنية الفلسطينية،. فقد كانوا يدا بيد،. فتحي البلعاوي (إخوان) ممسكا بيد معين بسيسو (شيوعي) ومن حولهم وواراءهم العشرات من زعماء اطياف العمل الوطني الفلسطيني،.
كان الهدير موحدا في تلك التظاهرة:
لا توطين ولا إسكان - ياعملاء الأمريكان
لا إسكان ولا توطين - فليسقط مشروع سينا
لم يتسن لنا الانضمام إلى المسيرة الجماهيرية العارمة،. فقد انقضت قوة كبيرة من جنود حرس الحدود (الهجانة النوبيون) بجمالهم الشاهقة وقد جردوا سياطهم لينهالوا بها على رؤوس المتظاهرين وظهورهم،.
كنت قد اكملت السنة الثامنة من عمري عندما رأيت لأول مرة في حياتي الهجانة النوبيون وهم يهجمون بصدور جمالهم على المتظاهرين فيما كانت كرابيجهم الطويلة جدا تفرقع في الهواء قبل أن تنزل كالحمم على الظهور فتشق القميص وتخط خطا احمرا من الصعب أن يزول،.
فتتحول التظاهرة لتعود إلى غزة وتحاصر سرايا الحاكم،.
الحاكم الإداري لقطاع غزة اللواء عبدالله رفعت هرب وضباطه من السرايا قبل أن يصلها المتظاهرون،. فيما تصدت الشرطة للمتظاهرين بإطلاق النار،.
وسقط أول شهيد في الانتفاضة،. حسني بلال،. الناشط الشيوعي الذي تصدى بصدره لرصاصة كان تستهدف امين عام الحزب الشيوعي في القطاع "معين بسيسو" ورفاقه من اللجنة العليا للانتفاضة"،.
الشهادة الثانية:
" وفي مدينة غزة حين كان معين يتصدر المظاهرة التي أخذت تتقدم نحو السرايا الحكومية، اعترضتهم الشرطة، وأطلقت النار على المتظاهرين وفي مقدمتهم معين الذي حماه رفيقه حسني بلال الذي سقط شهيداً، وهنا أنشد معين:
يا فم حسني بلال** الدّم سال وقال
الموت للرجعية**والموت للاحتلال
ونجم عن هذه التظاهرات التي انتخبتْ اللجنة العليا للانتفاضة وعلى رأسها الرفيق معين بسيسو والأخ فتحي البلعاوي هروب الحاكم الإداري لقطاع غزة اللواء عبد الله رفعت وضباطه الى العريش، وأبقى مكانه الضابط سعد حمزة ممثل الحاكم الإداري العام لمدينة غزة للتباحث مع معين وفتحي البلعاوي، والجماهير الشعبية المنتفضة تحيط بالمكان، وهتافاتها ترعد: "لا توطين ولا أسكان يا عملاء الأمريكان"،. وكان سعد حمزة هذا الذي زار مدرسة الذكور الإعدادية للاجئين في النصيرات، قد وقف على المنصة في ساحة المدرسة وخاطب المعلمين والطلاب بقوله: " قولوا لأهلكم إذا لم تركبوا القطار إلى سيناء فستحملون أبناءكم وأمتعتكم على رؤوسكم وتذهبون إلى سيناء مشياً على الأقدام".
وقد عرض معين بسيسو وفتحي البلعاوي قرارات اللجنة الوطنية العليا على هذا الضابط وكانت: "أن تعلن أجهزة الإعلام الرسمية كافة إلغاء مشروع سيناء، ومحاكمة المسؤولين عن قتل الرفيق حسني بلال وثلاثين مناضلاً من شهداء الهبّة السلمية. ولحماية الحدود من الاعتداءات الصهيونية يجب تكوين جيش فلسطيني، وإطلاق الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير والنشر والاجتماع والإضراب، وعدم اعتقال أحد من المتظاهرين، وأخيراً أعلنت السلطات عن إسقاط مشروع التوطين وأقسم الحاكم الإداري العام الذي عاد من العريش بشرفه العسكري ألاّ يعتقل أي متظاهر إلاّ من خرّب ودمّر، ولكنه حنث بقسمه.
وفي ليلة 9 آذار/ مارس 1955، هاجم البوليس ورجال المباحث والمخابرات بيوت الشيوعيين ومناصريهم من الوطنيين ومن ضمنهم أعضاء اللجنة العليا للانتفاضة الذين بلغ عددهم قرابة السبعين مناضلاً، بمن فيهم معين بسيسو وأخوته الثلاثة، صهيب وأسامة، وسعد، ورُحّلوا إلى سجن مصر العمومي حيث اُسْتقبلوا بالهراوات والتعذيب. وعندما صاح الرفيق حسن أبو شعبان وأطل بيده من بين قضبان الزنزانة وهو يهتف "عاش كفاح الشعب الفلسطيني، يسقط الإرهاب"،
نُفخ في البوق فهرع السجانون بهراواتهم الغليظة وأخذوا يخرجون الرفاق من زنازينهم تحت الضرب، وسيقوا إلى قسم التأديب، وتجمعوا في ساحته التي انتصبت فيها العروسة، وهي شبيهة بعرائس المقاثي، امرأة من خشب لها ذراعان مفتوحان دائما لاستقبال ضيوفها من المتمردين المسجونين، حيث تُربط عليهما يدا السجين ورجلاه، وفمها مفتوح لإدخال رأس المصلوب فيها، فلا يستطيع الحراك وكان على كل واحد أن يتزوج هذه العروس من الخشب بعد أن يخلع قميصه ويتعرى ظهره تماما.
وهناك وقف اللواء إسماعيل همّت الذي جمع السجانين وقال لهم إنهم "طابور من الجواسيس". ورفاقنا يُصلبون عليها، والكرابيج تنهال على ظهر المصلوب والدم ينزف بغزارة، ثم يُنقل المعتقلون لاحقاً الى سجن القناطر الخيرية وهناك وفي قسم التأديب أيضا يكتب معين قصيدته الشهيرة "الأم" حيث يقول:
لك الجماهيرُ أبناءٌ بلا عددِ ** فلستِ وحدكِ يا أمّا بــلا ولــدِ
إنْ يُغلقوا بيتنا الدامي فقد فتحوا ** لنا الزنازين بيتاً شامخ الزردِ
من خلف قضبانه نرمي الدماء على** مُكبّلينا رصــاصاً من فــم ويدِ
براية الحزب يكسوك الرفاق اذا** عريت، فامشي بثوب بالدماء ندي
وإنْ يَعضّك ناب الجوع مفترسا ** فقد عجنّا رغيفاً من ضياء غدِ
من لم تودّع بنيها بابتسامتها ** الى الزنازين لم تحملْ ولم تلدِ
وبعد سقوط قطاع غزة إبّان العدوان الثلاثي ومهاجمة مصر سنة 1956، أفرج عبد الناصر عن المعتقلين الشيوعين المصريين ليقاتلوا في بورسعيد، وبقينا في السجن أكثر من سنتين ونصف، وحين طالبنا بالإفراج عنا ونَقْلِنا الى حدود قطاع غزة للتسلل إليه، ومشاركة شعبنا في نضاله ضد الاحتلال، جاء مندوب من المخابرات يعلن استعداده للإفراج عنا ولكن إلى أي بلد ما عدا قطاع غزة، رفضنا ذلك وآثرنا البقاء في المعتقل، وبعد ضغوطات واسعة من جماهير شعبنا في القطاع أُفرج عن المعتقلين الفلسطينيين جميعا في الثاني من تموز عام 1957 بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منها في 7/3/1955."
الشهادة الثالثة:
"تأزمت العلاقة بين الإدارة المصرية من جهة وبين أغلب القوي السياسية الموجودة في قطاع غزة من جهة أخري حيث تم حل جماعة الإخوان المسلمين وملاحقة الشيوعيين والتضييق على الحاج أمين الحسيني ورجاله , إضافة إلى استعداء حكومة الثورة لبعض القوي التقليدية ذات الشأن في غزة مثل عائلة الشوا عندما أصت رشدي الشوا عن رئاسة البلدية بعد مرور أقل من شهر على قيام ثورة يوليو،
ويضاف إلى ما تقدم أن المسئولين الذين أوكلت لهم مهمة إدارة قطاع غزة من الجيش المصري كانوا في أغلبهم من رجال المخابرات الذين اعتادوا على ال