أسبوع الأصم العربي الحادي والأربعون: "أوقفوا العنف ضد الأطفال الصم"... د غسان شحرور
نعم، لقد تحقق الكثير من الإنجازات في ميادين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتنا العربية، بفضل الجهود الحكومية والأهلية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة لاسيما خلال العقود القليلة الماضية التي شهدت "عقد الأمم المتحدة للمعوقين" 1983- 1992United Nations decade of disabled persons، وبرنامج العمل المرافق له، ودخول "اتفاقية حقوق الطفل" Convention on the rights of the child حيز التنفيذ في 2 أيلول/سبتمبر 1990، وإصدار "ميثاق حقوق الأصم في الوطن العربي" The charter of the Arab deaf عام 1992، واعتماد "القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة" Standard rules on the equalization of opportunities for persons with disabilities عام 1993، والمصادقة على "اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" Convention on the rights of persons with disabilities التي دخلت حیز التنفیذ في ٣ أیار / مایو ٢٠٠٨، ورغم ذلك لا يزال الأطفال المعوقون ولاسيما الصم منهم يواجهون الكثير من التحديات، فهم الأكثر تهميشاً، والأقل فرصاً في التعليم والتأهيل، كما أنهم الأكثر تعرضاً للعنف والاستغلال والإهمال.
تعاريف مختلفة:
مع اختلاف القوانين والتشريعات ذات الشأن، فإن تعريف "إساءة وإهمال الطفل" يختلف بين مجتمع وآخر، وبشكل عام، يتفق الكثيرون على أنه –قيام الأهل أو المسؤولين على رعاية الطفل بعمل ما، أو إهمالهم القيام بالعمل المناسب المطلوب منهم، فيؤدي في أي من الحالتين إلى ضرر جسدي أو عاطفي، أو إساءة أو استغلال جنسيين، أو حتى إلى حالة تعرِض الطفل إلى خطر جسيم.
العنف ضد الأطفال الصم:
تفيد الدراسات أن الأطفال الصم بين أكثر الأطفال تعرضاً للعنف والإهمال، ويعود ذلك إلى عدم دراية المختصين بحاجات الأطفال الصم، وكيفية مساعدتهم في مثل هذه الحالات، واعتمادهم لدى تحري ذلك على وسائل اتصال غير كافية لا تتيح للأطفال الصم التعبير والإفصاح عن معاناتهم، خاصة أن معظم حالات إساءة وإهمال الأطفال الصم تتم في المنزل، وبشكل خاص من قبل الوالدين السامعين.
كما بينت بعض الدراسات الغربية أن الاستغلال الجنسي هو الأكثر انتشاراً، يليه الجسدي، ثم الإهمال، وهناك صعوبات كبيرة في تحري ومتابعة ذلك بسبب محدودية التواصل معهم، لاسيما أن ثقافة الأشخاص الصم تنزع إلى عدم الإفصاح عما تعرضوا له من إساءة بين مجتمع السامعين، كما يحجب الأطفال الصم ذلك عن السامعين الكبار، والذين بدورهم لا يتمتعون بمهارات التواصل الجيد معهم.
رغم جهود المؤسسات الوطنية والعربية، و"الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم" Arab federation of organizations working with the deaf في تعزيز حقوق الأشخاص الصم والنهوض بأوضاعهم، والعمل على حماية الأطفال من العنف والإساءة والإهمال لايزال العديد منهم يقع ضحية هذا العنف في البيت والمدرسة والمجتمع المحلي، وتكاد تغيب عن مؤسساتنا البحثية الدراسات المتعلقة بهذه المشكلة الكبيرة لاسيما:
- العنف ضد الطفل الأصم في المؤسسات وأماكن التأهيل والعمل.
- عواقب العنف ضد الطفل الأصم، القريبة منها والبعيدة.
- التنمر المدرسي والعنف بين الاقران.
- خطوط مساندة الطفل الأصم ودورها في الحماية من العنف.
- أفضل ممارسات منع العنف.
- أفضل سبل إعداد ذويهم والعاملين معهم.
وهكذا، يكتسب العنف الذي يعاني منه الأطفال الصم طابعاً خاصاً، تؤثر فيه عوامل كثيرة تعود لطبيعة الإعاقة (الصمم)، و"ثقافة الأشخاص الصم" deaf culture من جهة، وعوامل مختلفة أسرية ومجتمعية، بالإضافة إلى طبيعة تحديات التواصل التي يواجهوها الأطفال الصم لاسيما قنوات التواصل المستخدمة وخاصة الإشارية منها، وغياب برامج التدخل المبكر Early intervention program ، التي تتولى إعداد الطفل والأهل معاً، والنظام المتبع في إعداد واعتماد مترجمي لغة الإشارة Qualifying sign language interpreters، والعاملين الاجتماعيين والنفسيين، وعوامل أخرى قانونية وتعليمية، وغيرها من العوامل التي لابد أخذها بعين الاعتبار لحماية الأطفال الصم من كل أشكال العنف والإساءة والإهمال.
نحو مقاربة مجتمعية شاملة:
لهذا، لابد في منطقتنا العربية من مقاربة مجتمعية شاملة لمواجهة العنف ضد الأطفال الصم a comprehensive approach ، تكون مواد "اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" من أهم عناصرها، خاصة أن جميع الدول العربية قد صادقت عليها. ونظراً لطبيعة وخصوصية الأطفال الصم، لابد أن تتضمن هذه المقاربة إدراج هذه المواضيع في برامج إعداد العاملين الصحيين والاجتماعيين والنفسيين والقانونيين، وفي المواد التعليمية والإعلامية ذات الصلة، إضافة إلى الدور الكبير لأهالي الأطفال الصم، ومنظمات الأشخاص الصم الوطنية Organizations of the deaf بغية تمكينهم Enabling من لعب دور تشاركي Participatory roleفي مكافحة هذه المشكلة وحماية الأطفال الصم.
نعم...لابد من الاعتراف أن الجهود المبذولة في هذا المجال لاتزال محدودة، وحاجاتنا ماسة لإجراء دراسات موسعة ميدانية عن حجم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا والعوامل المختلفة المؤثرة فيها، وذلك لاعتماد مقاربة مجتمعية شاملة لمواجهتها وحماية أبنائنا الصم من تداعياتها.
* منسق "اليرموك للإعلام الخاص"