ميلانيا ترامب، زوجة المرشح الجمهوري الميلياردير
دونالد ترامب، هي الإنعكاس الداخلي لصورته “الجماهيرية”: أصلها من سلوفينيا، هربت من
فقر بلادها في عمر
السادسة عشر، لتعمل عارضة أزياء. يكبرها بأربعة وعشرين عاماً، وهي
زوجته الثالثة. في مقابلاتها الصحافية، تقدم نفسها بصفتها “القوة الهادئة” لزوجها،
تقسم العمل بينه وبينها بصرامة: “له السياسة، ولي البيت، وواجباتي كأم وزوجة”. أما
مظهرها، فهو إبن عصره: وجه من شمع، الشفاه والذقن والخدود (المسماة “كرسي”) مصنوعة
باتقان شديد، وجسم لم يفارقه، أيضاً، مبضع جراح التجميل، خصوصاً صدرها. فهي تعرضه على
“الانستغرام”، في أوضاع شبه بورنوجرافية، بعد أن تغيطّه بأوراق توت ضئيلة، تكاد لا
تخرج عن معايير “الحرارة” الجنسية التي دأبت نجوم الفيديو كليب وتلفزيون الواقع على
ترويجها عن أنفسهن. هكذا يحب ترامب النساء. ما عدا ذلك، فان جميع النساء، يستحقن الشتيمة،
من نوع انهن “خنزيرات سمينات، كلبات، حيوانات مقرفة… لا ينفعن لشيء”.
وهذا غيض من فيض، من هجماته على النساء؛ من أشهر ضحاياه، هيلاري كلينتون،
التي قال عنها “إذا كانت لا تستطيع إشباع رغبات زوجها، ما الذي يجعلها تعتقد بأنها
قادرة على إشباع أميركا؟”. أو الصحافية ميغن كيلي، التي أحرجته بسؤال عن تجريحه بالنساء،
فانكبّ على وصف دمائها: “كان يمكن ان ترى الدماء تخرج من عينيها، تخرج من… أين ما كان”،
موحيا بدماء الحيض النسائي. كل هذا وغيره، جعله يستحق لقب “دينوصور الذكورية”. ولكن،
كما نعلم، لا يقتصر جنون ترامب على نساء أميركا، هو أشتهر أيضا بطلعاته الخطابية ضد
المكسيكيين المهاجرين وضد السود، ومع حمل السلاح الخ. ولكنه، في الآونة الأخيرة، وبعد
أحداث التحرش الجنسي في كولونيا، في رأس السنة الفائت، ارتفعت لهجته ضد المسلمين، وصار
يكرر بشكل شبه يومي “برنامجه”، القائم على طردهم حيناً، وعلى عدم استقبال اللاجئين
منهم، أحيانا أخرى. هكذا، أعلن في أحد مهرجاناته الإنتخابية، انه لا يريد مسلمين في
اميركا، لأنهم “يسيئون معاملة المرأة”. وقبلها بأيام، سمح لجمهوره بطرد امرأة محجّبة
من القاعة، وعلّق على هذا الطرد قائلا، بكل جدية: “الكراهية ضدنا غير معقولة. انها
كراهيتهم، لا كراهيتنا”.
الآن في المقلب الآخر، وبخصوص المرأة المسلمة أيضاً،
يحضر الفرنسي أوليفيه روا، الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم “الحركات الاسلامية”،
ليدلو بدلوه في قضية المهاجرين المسلمين وتحرشات كولونيا، ويكرر علينا أفكار “الصواب
السياسي” (politically correct). فينسج مقالاً على
منوال زملائه “أكاديمين” آخرين، سبقوه فرديا وجماعيا: من ان حادثة التحرش لا تمتّ بصلة
بما يفهمه المسلم، أو يسمح به أو يصيغه، حيال النساء. ودليله ان الغرب أيضا يشهد جرائم
جنسية واغتصابات و”بيدوفيليا”… منضما بذلك إلى القائلين بأن أصحاب الرأي الآخر، القائلين
بخصوصية ثقافية اسلامية، هم ناقصو الأهلية العلمية، لأنهم أصحاب مقاربة “ثقافوية”
(وهي محرّمة “علمياً” منذ أربعة قرون)، يعمّمون من دون تدقيق، ولا يأخذون بالظروف الإجتماعية
والإقتصادية والسياسية، وهم في النهاية يخدمون الإسلاموفوبيا. دونالد ترامب، السياسي
الشعبوي، أكثر وضوحاً من الباحث الفرنسي أوليفيه روا. بالتعريف، هو الذي يفعل، يتصرف،
يجسد “أفكاره”. ينتمي إلى سلالة من السياسيين الغربيين، الذين يجدون في حياة وأقوال
نابوليون بونابارت، شيئا من ضالتهم الذكورية. أما الثاني، أوليفيه روا، فلا يخرج هو
أيضا عن مرجعيته، التي يصفها بـ”العلمية”، صائغاً تعابيرها بأناقة، وفاءً للمنهج والنظرية،
كما يجب.
ولكن الإثنين غائصين في الآثار الجانبية السلبية
لتحرر المرأة الغربية: ترامب في حميميته وخارجها، يجسد توق الراغبين بالعودة إلى عصر
ما قبل المساواة، وما قبل الثورة النسوية؛ توق المتحرّشين الأبديين. أما أوليفيه روا،
فبملاحظته لهذه الآثار السلبية، بتدوينها، وبعدم إيجاد تفسير لها غير “الإنحرافات”
الحداثية، والما بعد حداثية. والإثنان يسقطان هذه المقاربة على المرأة المسلمة، بحيث
لا مشكلة عندها بالنسبة لـ”الأكاديمي”، بل مشكلاتها هي مشكلات نساء الغرب، لا خصوصية
ثقافية لها، ولا موروث.
كأن العلم لم يسعفه لمعرفة أخرى، غير تلك التي تلزمه
بها مناهجه ونظرياته المقدسة. فبدا شاحباً مملاً. أما بالنسبة لـ”السياسي”، دونالد
ترامب، فبغرامه بالنساء “القنابل الجنسية”، وتقسيمه الصارم للعمل بينه وبين زوجته،
ونبذه كل امرأة “لا تغريه”، يبني دعائم السدّ الحضاري الأميركي، الذي لن تناله أي مسلمة،
فهي لا تستحقه، لأن المسلم يسيء معاملتها… فبدا مثل مهرج سعيد بترهاته. وهو لا يُلام،
لأنه جاهل: لا يستطيع أن يتخيّل بأن مسلمات على هذه الأرض يحتقرن داعشيته “الراقية”،
ذات الروْنق الذهبي الباهظ الرديء… بعد أن يسخرن من تسريحته التي تشبه عشّ الصيصان.
عن المدن