خاص
1-الغناء والنسيج الاجتماعي
-من الفنون و الجماليات
المبتكرة على امتداد الحياة البشرية منذ النشأة الأولى، والتي
هي بحق من الفتوحات الإنسانية
المتبلورة على المستوى الثقافي، الغناء، والذي يتميز بكونه عنصرا غريزيا لدى الإنسان..
فهو الأكثر من بين الفنون الذي يتصف بهذه الصفة، بل هو ميزة كونية أصبحت، في سيرورة
التطور التاريخي للإنسان، تقاس بها القيمة الذوقية لكل أمة و تحدد من خلالها مقومات
و جودها الثقافي و الحضاري و مدى تجذرها في
الزمان و المكان تاريخيا و جغرافيا .. وبإيجاز، فإن هذا الإبداع الذي يصطلح عليه بالفن
عموما وبالغناء خصوصا هو العنصر الأساس في النسيج الثقافي/الفني/الاجتماعي لأنه أكثر
شمولية،والدليل على ذلك أنه لا يوجد تجمع بشري لا يغني،بل و سائر المخلوقات الأخرى،
كما لا تستغني عنه أية شريحة من شرائح المجتمع في كل مكان.. فالغناء لا يعرف الطبقية
و لا العنصرية و لا الفئوية و لا الغنى و لا الفقر أو أي تمايز آخر، سوى تعدده وتنوع
أنماطه..به يحصل الإسهام خلقيا وخلقيا، أكثر من غيره، في التنشئة و التطور والرقي النفسي
و المزاجي والخيالي لدى الشعوب..فمن المهد إلى اللحد الجميع يتوق إلى إنشاد أو سماع
ترنيمات غنائية تنشيطية أو تعبيرية وجدانية أو ابتهالية روحية، متجذرة أو تتجذر بين
الطبيعة والكائن البشري، والمبدع والمتلقي.. ولنا المثال في الحماس الذي تذكيه الموسيقى
وتبعثه في نفسية الجنود والمناضلين وكذا تعبئة الشعب من أجل التحرر والدفاع عن حوزة
البلاد، كما يحصل دوما في أزمنة الحركات الوطنية والتحررية... وخير مثال على ذلك ثورة
"الغناء الفلسطيني المقاوم"...وهكذا يترتب الوجدان ويتهذب الذوق ويتفتق الخيال
وتنفتح الآفاق وتسكن النفس وتطمئن، من خلال التعبير عن الذات في كل الاتجاهات ..أفراح
ومسرات، أحزان وهواجس، أحلام وآمال، عشق ولوعة، لهف وطموح، غضب وانتفاض... إنه إبداع
في الذات على امتداد مسافاتها من الفرد إلى المجتمع إلى التاريخ، في صيرورة تبصم الحقب
المتعاقبة.. فهو بهذا إبداع متأصل لتأكيد الحضور، حضور التساكن والانتماء والمواطنة..فإذا
كان إبداعا في الآخر دون هذا الحضور، فسيكون انسلاخا في خدمة هذا الآخر.. فالأمة التي
تعي ذاتها وتشعر بها تملك القدرة على أن تتطور تكامليا في كل المجالات، وهذا هو الطريق
إلى النهضة الشاملة. . ومن هنا نحن المغاربة نعتز بغنائنا وموسيقانا كما هو الشأن بالنسبة
لكل الأمم.. إن مكونات ثقافتنا إجمالا ضاربة في أعماق العصور وستبقى ولن تفنى ما بقيت
أمتنا، كما هو بالنسبة لكل الأمم .. إن قوة التراث تكمن في قدرته الخارقة على اختزان
الموروث الثقافي وهوية الكيان..فمهما كان الدخيل قاهرا فلا يمكنه أن يذوب شيئا من كل
هذا.. فالشعوب لها طرقها وأساليبها للحفاظ على تراثها، حتى في الوشم وبالأحرى الغناء، في تناغم أصوات وخطوط وسلوكات...
(يتبع)
العربي الرودالي