صالح يُترجم لقاء إيكو في حديثه عن القوائم في تاريخ
الثقافة
«البحرين الثقافية» في عددها الرابع والثمانين...
جزء كبير مما جاء في اللقاء المترجم يمكن الوقوف
على جانب منه في المقدمة التي وضعها إيكو لكتابه «لانهائية القوائم».
في اللقاء أشار إلى قصة الكتاب، وفي مقدمته يُفصِّل. نقف على جانب التفصيل في الترجمة التي أنجزها ناصر مصطفى أبوالهيجاء؛
حيث يشير إلى أنه «حين دعتني ادارة اللوفر كي أنظم،
طوال شهر نوفمبر من العام 2009 سلسلة من المؤتمرات والمعارض وجلسات القراءة
للجمهور والحفلات الموسيقية وعروض الأفلام وغيرها من الفاعليات المشابهة التي
تختص بموضوع اختاره بنفسي فإني لم أتردد لحظة وتقدمت من فوري بموضوع (القائمة)».تظل المشكلة واضحة
في القدرة على «تعيين قائمة رمزية» بالنظر إلى أن الكتب القليلة التي تتناول شعرية القوائم تحصر عملها «بصورة متعقلة في القوائم اللفظية
فمن الصعب
أن تتحدث عن الكيفية التي يكون بمقدور صورة ما تمثيل
الأشياء والايحاء بـ (اللانهائية) في الوقت
ذاته كما لو أن ذلك يستدعي الإقرار بأن حدود الإطار، (إطار الصورة أو اللوحة)، تجبر الأخيرة على الصمت إزاء العدد الهائل من الأشياء
الأخرى
القائمة خارجها».عن قائمة هوميروس
وبالعودة إلى موضوع «القائمة»، ذلك الذي اقترحه
على متحف اللوفر، يشير إيكو إلى أنه كان من المتوجَّب على بحثي أن يسلط الضوء
على مقتنيات في متحف اللوفر كما فعلت في هذا الكتاب عقب ظهور المجلدين السابقين وهما (عن الجمال) و (عن القبح).
ومن هنا برز
هذا الكتاب بحثاً أقل وضوحاً من ذينك العملين السالفين
وأعني البحث عن لانهائية البصري ذلك العمل الذي أعانني فيه كل من
آنا ماريا لاروتسو وماريو أندروسي عوناً كبيراً.
في روايات إيكو تحضر القوائم بشكل لافت أيضاً، مشيراً
في مقدمة كتابه إلى أن مثل هذا الولع بالقوائم كان صدى لمادتين درسهما
شاباً: النصوص القروسطية، وأعمال جيمس جويس. هنالك السحر الذي أحدثه هوميروس في «الإلياذة»، إذ هي الأخرى مليئة
بالقوائم، وتحديداً «كتالوج السفن في إلياذة هوميروس التي أخذ منها هذا الكتاب شارة
البدء.
ونحن نعثر أيضاً لدى هوميروس على احتفاء بأنموذج
وصفي آخر هو الأنموذج الذي استلهم معيار الاكتمال التناغمي ممثلاً في ترس
أخيل. وبكلمات أخرى يبدو أن هوميروس قد امتلك تلك المراوحة بين شعرية (الأشياء المجدولة) و (شعرية اللامنتهي)».
لم يبرح الحوار الذي تمت ترجمته تلك الإضاءة والتبيان
الذي ورد في المقدمة، إذ يرد إيكو على السؤال الآتي: المحاسبون هم الذين
يعدُّون القوائم، لكنك تجدها أيضاً في أعمال هوميروس، جيمس جويس، توماس مان. يجيب: «لكن هؤلاء كتَّاب وليسوا
محاسبين. في
رواية (يوليسيس)، يصف جيمس جويس كيف يفتح بطل روايته،
ليوبولد بلوم، أدراجه ويشير إلى كل الأشياء التي يجدها هناك. أرى هذه
بوصفها قائمة أدبية، وهي تقول الكثير عن بلوم. أو خذ هوميروس، على سبيل المثال، في (الإلياذة)، وهو يحاول توصيل
الانطباع
بحجم الجيش الإغريقي. في البداية هو يستخدم التشبيهات:
(كما حين تتقد نيران غابة هائلة على قمة جبل واللهب يُرى من بُعد،
هكذا، فيما هم يسيرون، يلتمع وميض دروعهم في قبة السماء الزرقاء (...)».
لا نهائية الأسماء... القوائم يرى إيكو بأن «القائمة هي أصل الثقافة. إنها جزء
من تاريخ الفن والأدب. ما الذي تريده الثقافة؟ تريد أن تجعل اللاتناهي
قابلاً للفهم أو الإدراك. هي أيضاً تريد أن تخلق النظام... ليس دائماً، بل غالباً. وكيف يمكن للمرء، بوصفه كائناً
بشرياً، أن يواجه اللاتناهي؟ كيف بوسع المرء أن يحاول إدراك
المبهم وما لا يُسبر غوره»؟
بشكل عابر يسرد إيكو قائمة أيضاً بتلك القوائم التي
يُعنى بها، وتكون محط اهتمامه وتناوله، فهنالك ما أسماها القوائم العملية:
قائمة التسوق، الوصية، قائمة الطعام.
«هذه بدروها، وبحكم حقها الشخصي، تعد منجزات
ثقافية».
أسماء كثيرة لم تغب عن ذهنه، كان من المفترض أن
تجد حضورها في كتابه، لكن ذلك سيعمل عمله في امتداد العمل، وسيكون الأمر أشبه
باللانهائي بمحاولة استيعابها، وتقديم نماذج عن قوائم اهتمت بها تلك الأسماء، موضحاً أنه «على رغم بروز أسماء
من أمثال: بيرك وبريفر وويتمان وبورخس في ذهني دائماً. كانت
حصيلة هذا السعي هائلة إلى درجة تصيب بالدوار. وأنا أعي ابتداء أن عدداً
هائلاً من القرَّاء سيكتبون إليَّ مستفهمين: لماذا أقصيت اسم هذا المؤلف أو
ذلك من الكتاب؟ وليس الأمر متعلقاً بكوني
لا أحيط بكل النصوص التي تظهر فيها القوائم أو أني
لست كليَّ العلم فحسب، وإنما يتعلق أيضاً بأني لو أردت تضمين كل القوائم
التي خبرتها في رحلتي الاستكشافية ضمن كتاب فربما تجاوزت صفحاته الألف».
خلاصة ما يرمي إليه يتحدَّد في أن القوائم وإن أخذت
مسارين عملي وأدبي، بما يتفرع عن الثاني، لا تشكل تهديداً للثقافة، بل
هي في كثير من الأحيان مفتاح يمكن به فهم مغاليق في ثقافة أو ممارسة ما. يعدِّد هنا جانباً من تلك القوائم «القائمة
لا تدمر
الثقافة، بل تخلقها. أينما نظرت في التاريخ الثقافي،
ستجد القوائم، في الواقع، هناك مجموعة تسبِّب الدُّوَار: قوائم القديسين،
الجيوش والأعشاب الطبية، الكنوز وعناوين الكتب، رواياتي، بالمناسبة، مليئة بالقوائم».
المثقف والتحولات
احتوى العدد على افتتاحية كتبها المفكر الإماراتي
يوسف الحسن تناول فيها موضوع المثقف والتحولات في تتبع لنماذج ظلت بمعزل
عن حقيقة احتياجات مجتمعاتها وطرق التفكير المتبعة في التعامل مع أزمات الجماهير،
والتي كانت في معزل عن الواقعية من
جهة، وقراءة مسار الأحداث والتحولات من جهة أخرى.
يشير الحسن في الافتتاحية إلى أن النخب المثقفة في الوطن العربي فوجئت بأن
الأحداث والمتغيرات تجاوزتها، بل ارتدَّت عليها في بعض المنعطفات والمراحل، بانقلاب خرائط المشهد السياسي والثقافي.
الناقد السوري محمد وردي، يقرأ رواية الإماراتية
لولوة أحمد المنصوري «خرجنا من ضلع جبل»، عمد في قراءته إلى تفكيك البنية السردية
للرواية متوقفاً عند فضاءات السياحة العقلية في الرواية قبل السياحة في المكان...
الوقوف على حكاية المكان نفسه،
والانشغال بالسؤال الروائي، ونظر إلى لغة السرد.
وردي يضع خلاصته حول القيمة التي تقدمها الرواية بجمعها بين سحر الحكاية
مع غواية التوليفة الفنية بقالب فانتازي. مشيراً إلى أن قراءتها لا تخلو من الصعوبة
«كونها تحتاج إلى خلفيات ثقافية موسعة،
إلا أنها تبقى جميلة وجذابة بحماماتها الوجودية
والفلسفية، ومحمولاتها الدلالية والرمزية، وإحالاتها الثقافية الفذة على
شروط الواقع الراهن وقباحاته المخجلة».
كما تضمن العدد ورقة للمترجم والمسرحي البحريني
محمد الخُزاعي حملت عنوان «الفن
التشكيلي العربي المعاصر: الرهانات والتحديات في
مملكة البحرين»، أشار في جانب منها