لقد أدى تصاعد وإزمان النزاعات المسلحة في منطقتنا العربية إلى ارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين والعاطلين عن العمل بشكل هائل، وكذلك إلى ضعف أو انعدام
ضبط مناطق واسعة من الحدود، الأمر الذي شكل تربة خصبة اقتنصها تجار الأزمات والحروب في بناء شبكات محلية وإقليمية ودولية تستثمر في تهريب المخدرات وصناعتها وترويجها.
نعم، لقد أصبحت حرباً مكشوفة تستهدف الإنسان في الحاضر والمستقبل، بعد انتشار ظاهرة تعاطي وتهريب المخدرات في كثير من مجتمعاتنا رغم تزايد ضبط كميات منها في لبنان والأردن وسورية والعراق والسعودية والإمارات والكويت وغيرها.
لقد زاد إحباطي وأنا أتابع البيان الختامي لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حول المخدرات، الصادر في 21 نيسان/ابريل 2016، والتقارير السنوية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (تقرير “وضع المخدرات في العالم″)، وكذلك مكتب الأمم المتحدة الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفروعه التي تعمل مع مكتب وزراء الداخلية العرب، فقد وجدتها خالية من خطة عمل أو حتى إشارة إلى الوضع في سورية والعراق واليمن وليبيا، والتي تشهد نزاعات مسلحة مدمرة، كان من تداعياتها تفاقم انتشار المخدرات في المنطقة، ورغم الكثير من الدلائل على ذلك، وتزايد عمليات ضبط الاتجار بالمخدرات، فقد ظلت برامج المكافحة الإقليمية على حالها وبرامج التوعية شبه غائبة، بينما انشغلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بأحداث القتل والاقتتال هنا وهناك، وأقصى ما تريده هذه الأقلام إذا ما تطرقت إلى المخدرات هو تجريم طرف دون آخر.
نعتقد جميعاً أن تكون هذه القضية " قضية انتشار المخدرات في منطقتنا" موضع إجماع واتفاق وتلاقي في برامجنا وفعالياتنا مهما اختلفت مؤسساتنا، ومهما اشتدت حدة الخلافات، وحتى النزاعات المسلحة بين الأطراف في منطقتنا، بل ينبغي أن نتسابق إلى مواجهتها والتصدي لها لإثبات حرصنا على الإنسان وحقه في مستقبل أفضل، لكن ما نشاهده في الواقع وبكل أسف خلاف ذلك رغم توافر كل عوامل الخطورة المذكورة، وتزايد الضبطيات في أكثر من مكان في المنطقة (والتي لا تشكل -وفق الخبراء- أكثر من 10% من حجم ما يجري تهريبه فعلاً)، وهنا نتساءل وننادي كما فعلنا في عدة مرات سابقة خلال السنوات الماضية: أين خطة الطوارئ الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة، ومكتب وزراء الداخلية العرب، وأين منظمات المجتمع المدني الإقليمية والوطنية المعنية بالصحة والشباب وحقوق الإنسان، وأين البرامج التوعوية المجتمعية في هذا الشأن، وأين وسائل الإعلام وبرامجها الإعلامية التنموية الهادفة، وأين مؤسساتنا الدينية وبرامجها المجتمعية لمواجهة هذه المشكلة التي تهدد حاضرنا ومستقبلنا.
لاشك أن تجاهل مواجهة هذه القضية أو الحرب في الحاضر يتعذر استدراكه في المستقبل، فخطورة الإدمان وتعاطي المخدرات في المجتمع، لاسيما على الأطفال والشباب، لا تقل أهمية عن تدمير المساكن والمصانع والمرافق الحيوية الأخرى، لأنها تدمير للإنسان عماد الحاضر والمستقبل، ففي حين يمكن إعادة بناء ما دمر خلال سنوات معدودة، يتعذر إعادة بناء المجتمع الذي سقط في براثن الإدمان وتعاطي المخدرات لسنوات طويلة وطويلة بعد صمت طبول الحرب.
د.غسان شحرور، منسق الشبكة العربية للأمن الإنساني