لأنَّ الهم بالأوطان همٌ بالوجود وجدواه ...
ولأن السماء ازدحمت جدًا بالأفكار ...
ولأن التمسك بالقيم وتعزيزها أمر حتمي لنهضة الوطن ...
شغلني جدًا التأثير الهائل للإعلام الإلكتروني علي
شبابنا ، الذين هم عدتنا وعتادنا ، لبناء وطن قوي ، يعتز بقيمه ومبادئه ، فأتي كتاب
" الإعلام الإلكتروني وأزمة القِيَم " الصادر عن وزارة الثقافة هذا الشهر
، ترجمةً لمخاوف أخشاها وآمال أتمناها .
فلا أحد يستطيع أن ينكر الدور الخطير للإعلام العربي
والأجنبي في إحداث التغيرات التي حدثت للمجتمع العربي ومسَّت كل جوانب الحياة؛ فثمة
تساؤلات مُرعبة تجتاح حيرة الحاضر بين الواقع اللا مُرضي والماضي الثري والمستقبل المُبهَم،
وثمة هالات من خجل تحيط النفس وهي تسافر عبر الزمن، تبحث عن إجاباتٍ تُغلِّف بها جراحها
وتقصيرها، فما تكاد تبدأ مشوار البحث، حتى تداهمها الصورة المُهترئة لِقِيَم أدبرت،
بعدما تمكنت الحرباء من أرض الكلمة، وحلَّقت الببغاء في سمائها، ففقدت قيمتها، وتقزَّمت
قامتها .
وما زالت النفس تغوص في حيرتها، حتى يغطيها تماماً
فيضان الأسئلة، ويصبح العجز هو السائد، بعدما صارت الأسئلة خناجر طاعنة، تكشف عوارًا يغطي غالب الصورة، فيتوه عنوانها وسط تفاصيل المشهد المُخجِل، حتى
أنها تود لو تستطيع الهروب خارج الإطار!!., فالحقيقة أنه كَسِمَة الواقع تحوَّل الفضاء
الرحب إلى ساحةٍ مِن الفوضى، وباتت الأفكارُ تترنَّح يمينًا ويسارًا، ويقع المُتلقِّي
في فخِّ البلبلة، فتختلط لديه المفاهيم، ويكتمل إطارُ الفوضَى.
فالحقُّ أنَّ ميثاقَ الشرَف المِهني الذي يصون قيمةَ
الكلمة، ومفهومَ الإعلام الهادف الذي يرقى بالأمم - قد تعرَّض لهزَّاتٍ عنيفة، بعدما
اختلط الحابلُ بالنابل، واخترقت مجالَ الفكر
غزواتٌ كُثْر ، وأصبح الاهتمام بالقيم والمبادئ والحفاظ علي الهوية ينبغي أن يكون في
مقدمة الأولويات ؛ إذ لا أمل في الرقي دونما تعزيز قيمنا ومبادئنا والحفاظ علي هويتنا
؛ وإيماننا بضرورة أن تكون لنا بصمتنا المميزة فكرًا ؛ فتلك الأمور كلها من دواعي تعزيز
قيم الانتماء للوطن ؛ إذ كيف يرتجي تقدمًا من لا ينتمي إلي وطنه ويعتز بهويته ؟!.
وليس هذا معناه التقوقع وعدم الانفتاح علي الآخر
، بل معناه أن تكون الإيجابية في الانفتاح علي باقي الثقافات بالقدر الذي يعزز قيمنا
ونأخذ منه ما يساهم في تقدمنا ويتماشي مع قِيَمنا دونما طمسٍ أو تقزيمٍ لهوِّيتنا .
ومما لاشك فيه أن الإعلام الإلكتروني فتح الباب
علي مصراعيه فتغيَّرت المفاهيم، واختلفت الرُّؤَى، , واختلطت النظريات ؛ بعدما بات العالم كله قرية
صغيرة ، فأصبح من الواجب الانتباه لما شاب القيم من تهرُّئ ، وما طال المبادئ من ضعف
، وصار البحث عن دوافع ذلك وسبل مواجهته أمرًا حتميًا في سبيل العودة بمنظومة القيم
إلي
. جادة الطريق بعدما غمرنا الفضاء بأفكار
كثيرة طاشتْ معها مبادئُ الإعلام الهادف
إنَّ للكلمة قيمتَها، والناسُ تستقي أفكارها - بل
وتوجُّهاتها - من الإعلام، فإنْ وهنت الكلمة
ضعفت الأفكار ؛و تقزَّم الإعلام، وسادتْ تجارة الأفكار والعقول والمبادئ .
بين طرح الواقع و مخاوفه ، وسبل الحماية و المواجهة
، كان الكتاب .
