-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لماذا فازت رواية مصائر لربعي المدهون بجائزة البوكر؟ عليـاء طلعـت

بالطبع لست واحدة من أعضاء فريق تحكيم جائزة البوكر لأعرف الأسباب التي دفعتهم لتقديم الجائزة لرواية “مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة”، لذلك ما الذي سأورده
هنا استنتجته باعتبار أنني قارئة معجبة بهذه الرواية وتوقعت لها الفوز منذ قرأتها.
إذاً فاز ربعي المدهون بجائزة البوكر ليصبح الفلسطيني الأول الذي يحصل عليها، وقد ترشح لها من قبل عام 2010 عن روايته “السيدة من تل أبيب”، ووصل للقائمة القصيرة لكن خسرها لصالح عبده خال وروايته “ترمي بشرر.
وُلد ربعي المدهون عام 1945 قبل النكبة بثلاث سنوات في عسقلان بجنوب فلسطين، ثم هاجرت عائلته عام 1948 إلى خان يونس في قطاع غزة، وتلقى تعليمه الجامعي في القاهرة والإسكندرية، إلى أن أُبعد من مصر عام 1971 لأسباب سياسية، ويقيم في لندن من وقتها وحتى الآن وله ثلاثة روايات ومجموعة قصصية.
أسباب فوز رواية مصائر
الطريقة المختلفة في تناول النكبة الفلسطينية..
اعتدنا في الروايات التي تتناول النكبة الفلسطينية وقضية الاحتلال على أن تكون حزينة مبكية، تضيف على همومنا هماً إضافياً، تأخذنا في رحلة تاريخية حزينة، ولكن الوضع اختلف مع رواية مصائر، حيث أخذنا الكاتب إلى رحلة حنين من خلال أبطاله.
تقنيات السرد الشيقة..
قدم ربعي المدهون رواية مصائر في بناء يشبه الكونشيرتو الموسيقي من خلال أربع حركات رئيسية، كل حركة هي قصة ذات بناء منفصل، لكن متصلة أيضاً بالثلاثة الباقية من خلال خيط رفيع، سيزيد من متعة القارئ.
في الحركة الأولى نتعرف على إيفانا الفلسطينية الأرمنية التي وقعت في حب طبيب بريطاني أثناء الانتداب على فلسطين، وتبرأ منها أهلها نتيجة لهذا الحب، فتهجر بلدها معه وتتزوجه وتنجب منه جولي.
وعندما تشعر إيفانا بدنو أجلها تجمع أصدقائها وابنتها جولي وزوجها الفلسطيني وليد وتطلب منهم أن يحرقوها بعد وفاتها ويعيدون رمادها في إناء صممته بنفسها إلى فلسطين.
الحركة الثانية بأبطال جدد هم جنين دهمان التي تمتلك الجنسية الإسرائيلية بجوارالفلسطينية، وتترك الولايات المتحدة التي درست بها وتقرر العودة مرة أخرى مع زوجها لتقاسي الأمرين من السلطات وشعورها إنها في حرب دائمة لتثبت هويتها للجميع، وفي ذات الوقت تكتب رواية “فلسطيني تيس” التي استلهمتها من والدها.
الحركة الثالثة نعود خلالها إلى قصة وليد وجولي وما حدث لهما عند عادا للوفاء بوعدهما لإيفانا، ويضيف في هذا الجزء ربعي المدهون تقنية سرد جديدة حيث يقدم لنا قصتين مختلفتين لما حدث مع وليد وجولي باختلاف بدايات رحلتهما بعد وصولهما، ونكتشف هنا كذلك الصلات بين الأبطال في الحركات المختلفة.
الحركة الرابعة هي زيارة وليد لمتحف “يد فشيم” لضحايا المحرقة النازية، ليصنع مقارنة بين هؤلاء الضحايا وضحايا المجازر الإسرائيلية مثل دير ياسين.
الشخصيات المرسومة ببراعة..
برع ربعي المدهون في رسم الشخصيات خصيصاُ النسائية منها، مثل شخصية إيفانا التي رغم بنائها لحياة كاملة في المملكة المتحدة واقتراب دنو أجلها إلا إنها لازلت تشعر بالحنين لعائلتها وأرضها وبلدها، وجولي ابنتها التي عاشت حياتها بريطانية على الرغم من زواجها من فلسطيني وكونها ابنة لواحدة، ولكن بعد عودتها يتنامى داخلها بقوة الشعور بعشق هذه الأرض الجديدة، ويصعب عليها مفارقتها مرة أخرى، وتحاول أن تبني جذور لها في تلك الأرض التي لفظتها وأمها منذ أكثر من نصف قرن.
ولكن أكثر الشخصيات ثراء هي جنين دهمان الصحفية الشابة المتزوجة من فلسطيني من الضفة الغربية يعاني للحصول على الإقامة والعمل أثناء إقامتها في يافا، ثم نتعرف – من خلال ذكرياتها – على والدها محمود دهمان ملهم روايتها فلسطيني تيس، الذي رفض أن يترك أرضه بعد النكبة وبعد هجرته مع عائلته إلى غزة، ويتسلل ويعود سراً إلى المجدل لتغلق الحدود ويبني لنفسه حياة جديدة يهبها للحفاظ على هويته الفلسطينية العربية.
وصف المدن الفلسطينية..
من أكثر ما أمتعني خلال قراءة الرواية هو وصف الكاتب للأراضي والمعالم الفلسطينية، فيصحبنا إلى شوارع القدس والأزقة والأسواق والبيوت القديمة، ويأخذنا إلى عكا ويافا ومجدل عسقلان، في جولات سياحية مشوقة تجعل القارئ يشعر إنه زار هذا الأماكن بالفعل والتي لم يعرف عنها من قبل سوى الأسماء التي يسمعها في نشرات الأخبار مع صور تقطع نياط القلوب.
أكد ربعي المدهون على وجود الجمال في تلك الأراضي، وأن الرغبة في تحريرها والرجوع إليها ليس لمجرد استردادها لأنها منهوبة من قِبل محتل غاصب بل لكونها تستحق الحرب للحياة فيها بأمان وإعادة تعمير ما تهدم منها.
الأسلوب البسيط المغرق في المحلية..
على الرغم من إحباطي في الكثير من الأعمال التي ترشحت للبوكر هذا العام إلا أن كلها حملت مزية هامة وهي المحلية، ففي نوميديا شعرت بروح المغرب وايضاً مع حارس الموتى زرت لبنان في نقطة صعبة في تاريخها، وعطارد أخذتنا إلى المستقبل الأسود الذي تخيله الكاتب لمصر، ولكن ربعي المدهون تفوق على هؤلاء الكتاب جميعاً في مصائر حيث قدم لنا بأسلوب بسيط وسلس الروح الفلسطينية، من خلال الكثير من الحوارات باللهجات العامية السهلة، التي لم أجد صعوبة في فهمها وساهمت في اندماجي مع الأحداث.

في النهاية قدم ربعي المدهون رواية ميزة عرفتنا على تاريخ فلسطين ما قبل النكبة، والخيار الصعب الذي وقع فيه أهلها، ومعاناة من ضحوا وقرروا هجر أرضهم، والمعاناة الأكبر لمن أصروا على البقاء، لم يهب الكاتب روايته لتقديم القضية الفلسطينية ويملئها بالشعارات السياسية، بل رسم لنا صورة لفلسطين الماضي والحاضر وتركنا نستمتع بها ونكتشف ما يستحق بالفعل الكفاح من أجله.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا