النبوغ المغربي : حسن الوزاني
عبدالله كنون استطاع أن يرسم صورة حقيقية لمجال
التأليف بالمغرب، راسما عبر ذلك الحدود الواسعة والخلاقة للهوية الثقافية لبلد كان
حينها تحت الاستعمار الفرنسي.
في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي أقدم كاتب
مغربي لم يقفل الثلاثينات من عمره على نشر كتاب ستكون له مكانته الاستثنائية داخل مجال
البحث في تاريخ الثقافة والأدب المغربي. أما الكاتب فهو عبدالله كنون، وأما الكِتاب
فهو “النبوغ المغربي في الأدب العربي”.
ألف عبدالله كنون كتابه ضدا على إهمال أدب المغرب
الأقصى في كتابات المشارقة عن الأدب العربي وعلى اختزال تاريخ هذا البلد في جانب البطولة
والجهاد، حيث غالبا ما كان يتم الاقتصار في كتابات المؤرخين عن المغرب، كما يشير كنون
في مقدمة الكتاب، على التنويه بأبطال المعارك وأرباب الحكم والثناء على جهودهم في خدمة
الإسلام، مع الصمت عما راكمه رجالات البلد على مستوى التأليف والإبداع.
حرص عبدالله كنون على إعادة كتابة تاريخ الإنتاج
العلمي والأدبي والتاريخي للمغرب، عبر مختلف لحظاته، الممتدة من عصر الفتوح إلى عصر
العلويين، مع تخصيص الجزء الثاني من المؤلَّف للنصوص الأدبية، سواء المنثور منها أو
المنظوم، ومع إثبات باب يضم الموشحات والأزجال التي شكلت إحدى خصوصيات الكتابة بالمغرب.
وحقق “النبوغ المغربي” بذلك منعطفا على مستوى الكتابات المهتمة بتاريخ الأدب المغربي
ونقده، وذلك بفضل نظرته الشمولية لموضوعه، بخلاف الكتابات السابقة التي كانت تهم طبقة
معينة من المؤلفين أو جنسا محددا، أو مؤلفي مدينة ما، ومن ذلك على سبيل المثال، “تاريخ
الشعر والشعراء بفاس” لأحمد النميشي و”تطور أسلوب الإنشاء في المغرب الأقصى” لمحمد
الحجوي، و”مسامرة الشعر والشعراء” لعبدالله القباج.
استطاع عبدالله كنون أن يرسم صورة حقيقية لمجال
التأليف بالمغرب، راسما عبر ذلك الحدود الواسعة والخلاقة للهوية الثقافية لبلد كان
حينها تحت الاستعمار الفرنسي. ولذلك كان طبيعيا أن تبادر سلطاته إلى إصدار قرار عسكري
يمنع بيع وعرض وتوزيع كتاب “النبوغ المغربي” ويحذر بقوة بمعاقبة من يخالف هذا القرار.
في مقابل ذلك، حظي كتاب “النبوغ المغربي” باهتمام
خاص، خصوصا لدى المشارقة والمستشرقين. ومن مظاهر ذلك تأكيد شكيب أرسلان على أن “من
لم يقرأه فلا يحق له أن يدعي في تاريخ المغرب الأدبي علما”، واعتباره من طرف حنا فاخوري
“فتحا من الفتوح الأدبية”، واعتماد المستشرق كارل بروكلمان المؤلَّف كمرجع أساس لملحقاته
الخاصة بكتابه “تاريخ الأدب العربي”، واعتباره من طرف طه حسين كتابا “قلما نرى مثله”.
سنة بعد صدور الطبعة الأولى من كتاب “النبوغ المغربي”،
سينال عبدالله كنون الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة مدريد المركزية، وذلك بعد
ترجمة كتابه إلى الأسبانية بعناية خيرو نيموكريُّو أُورْدونييز ومحمد تاج الدين بوزيد،
ليراكم بعد ذلك مسارا مهنيا وعلميا حافلا، تقاطعت في إطاره صفاتُ عبدالله كنون كفقيه
متفتح وكاتب موسوعي ومؤرخ موضوعي وأكاديمي كبير، وفوق ذلك كإنسان نبيل.
كاتب من المغرب