تكشف إحصائيات مكتب الصرف المغربي عن تباين كبير بين صادرات المغرب ووارداته على مستوى الكتاب. ففي الفترة الممتدة من سنة 2008 إلى 2013، نجد أن
قيمة مجموع واردات المغرب، في هذا المجال، ضاعفت بعشرين مرة مجمل قيمة صادراته. وهي نسبة ترتفع بشكل مذهل إذا تحدثنا عن وارداته، على مستوى الكتاب، من بلد صغير كلبنان، حيث ترتفع هذه النسبة إلى حوالي أربعين مرة خلال الفترة نفسها.
جانب كبير من هذه التباينات قد يبدو طبيعيا. فإصدارات لبنان تشكل المصدر الرئيس لمجمل الدول العربية. وقد جاوزت واردات مصر، المعروفة بتقاليدها العريقة على مستوى صناعة الكتاب، من لبنان، سنة 1997، ثلاث مرات ما صدرته إليه. ويعود جانب من هذا الحضور إلى المكانة التي يشغلها لبنان على مستوى صناعة الكتاب العربي، بفضل تراكم تجربته التي تعود إلى أربعة قرون.
وإذا كانت هذه التباينات تعكس وضعيةَ الكتاب المغربي العاجز عن تجاوز الحدود، فإنها تكشف، أكثر من ذلك، عن حقيقة قد تسائل الكثير من اليقينيات التي يستند إليها الكثيرون. وبمعنى أدق، إن استمرار هذا الحضور الكبير للكتاب المستورد، سواء العربي منه أو الأجنبي، يفترض وجود سوق للقراءة بالمغرب لا ينتبه إليها الخطاب الذي يتحدث، من موقع الانطباع، عن وجود أزمة قراءة بالبلد. وهو حضور قد يعني أيضا، وهذا هو الأمر الأخطر، وجود قُراء لا يبحثون بالضرورة عما ينتجه الكتاب المغاربة.
والحقيقة أن بنية الإنتاج الثقافي المغربي كانت تتمحور دائما حول مجال معرفي معين، بشكل تصير معه المجالات الأخرى حلقات ضعيفة. فخلال قرون، شكل الإنتاج الديني الحلقةَ الأساس، سواء على مستوى التأليف في القراءات أو الحديث أو الفقه أو الفتاوى. وحينما تغيرت هذه البنية، تحولت السيادة إلى الأدب ونقده. وهكذا شغل الإنتاج في هذا المجال ثلث ما أصدره المغاربة منذ ظهور الطباعة الحديثة بالمغرب إلى سنة 2001، بينما لم تتجاوز نسبةُ كتب العلوم البحثية واحدا في المئة من هذه الإصدارات.
أما الأمر المفارقُ فيكمن في تمركز نسب المرجوعات الكبرى بالضبط على مستوى الأدب. بمعنى آخر، يبدو أننا نستمر في الكتابة لقراء غير موجودين، بينما لا ننتج لقراء لهم انتظارات أخرى، لا تتعلق بالضرورة بالشعر ولا بالقصة القصيرة ولا بالقصة القصيرة جدا!
وبشكل مفارق لكل ذلك، يفتح إقدام عدد كبير من الكتاب المغاربة على نشر أعمالهم بلبنان ومصر وغيرهما من دول المشرق ووصول الكِتاب المغربي إلى هذه الدول عبر معارض الكتاب، وحصول كُتاب مغاربة على أرفع الجوائز العربية، ثم تداول الأعمال الفكرية والإبداعية والنقدية المغربية، التي تحتفظ بقيمتها النوعية، بين غير قليل من القراء المشارقة، هوامش للخروج عن سلطة الأرقام، أو على الأقل للتخفيف من حدتها.
كاتب من المغرب
عن العرب اللندنية