-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

رؤية قصصية محايثة للإيجار شفيق المهدي

رؤية قصصية محايثة للإيجار شفيق المهدي
إلى عبد الرحيم ياسر شيبتك الطفولة ومازلت طفلاً
كنا صبية
وكان لنا بيت على الشط
ولنا جيران
يا إلهي ما أجمل هذي الدار
ثلاث غرف للنوم
و أخرى (للخطار)…
حمام ومطبخ وايوان
كنا تسعة أنفار
لكن الوالد يشتكي
هذا البيت ليس لنا
هذا البيت بالايجار
إلام تراقب
الأخ الأكبر يرد: لكن لنا وطناً
ولنا جيران أخيار
يا أبي: من مثلنا له هذا الجار؟؟
ويموت الأب
يموت ومازلنا في بيت بالايجار
***
واليوم
أنا ابنه الحالم
أملك بيتاً بخمس غرف
ثلاثة حمامات
مطبخ ايطالي
وحديقة
لكن أولادي يصرخون بوجهي :
ليس لنا جيران
ما هذي الدار
نريد الهجرة ؟؟
***
في الليل أحلم، أرى نفسي :
وأنا أبحث عن قبر
للايجار .. !
رؤية قصصية محايثة للنص الشعري أعلاه
قاسم العزاوي
هناك..، والنوارس تخفق الأجنحة صوب مويجات النهر المتراقصة وهي تزف زوارق صيادي السمك (البني والشبوط والبز..) وهم يرددون :(يا صياد السمك صد لي بنيّة ..)، فيما انطلق من فوق زورق آخر.. (على شواطي دجله مر.. يامنيتي باحلى العمر…)، والصيادون يسحبون شباكهم بحصادها الوفير والفرحة تطرز وجوههم الموشحة بالطيبة والكرم، وتسعة أنفار من الصبية والصبيات يلوحون للصيادين بسعف النخل يشاركهم صبية وصبيات الجيران (بدشاديشهم المقلمة بخطوط عمودية، زرق وحمر وخضر حيث الأسود غادرها تماماً، قماشها من (البازة).. ياه ما أجمل ألوانها..! أين هي الآن، لقد اختفت ولا نكاد نراها حتى في القرى الريفية المتخامة لمدينتنا ..؟ّ!
الصبيّة، يواصلون متعتهم على رمل الشاطئ يتربعون، حلقات حلقات، يتربعون، يبتنون بيوتاً من الرمل يؤثثونها بأرائك من الرمل، وثلاث غرف للنوم، وأخرى للخطار، حمام ومطبخ وإيوان، وبصوت واحد يرددون: يا إلهي ما أجمل هذه الدار..؟!!
ومن هناك، من شرفة البيت المطلّ على النهر الذي ما ملّ من جريانه وانسيابه، صباح مساء، كان صوت الأب تردده مويجات النهر ومسامع الصبية :
هذا البيت ليس لنا، هذا البيت بالايجار..!
والأم تراقب وقع كلام زوجها على الصبية، نظراتها موزعة بين الأب الشاكي وبين أولادها المتربعين على الرمل، دمعة أخرى اندلقت من عينها وجرفت معها كحل العين ..!
لكن ابنها الأكبر رفع رأسه الأشعث صوب الشرفة حيث أبيه وردد معترضاً :
لكن لنا وطناً، ولنا جيران أخيار
يا أبي.. من مثلنا له هذا الجار..؟!!
وبصوت واحد رددوا جميعاً، أولاده وأولاد الجيران والنهر ردد معهم أيضاً:
لكن لنا وطناً
ولنا جيران أخيار
من مثلنا له هذا الجار..؟!
وما أجمل هذه الدار.!
ومن دون أن تدري، كانت الأم الطيبة تشارك أولادها وصبية الجيران، وتردد معهم والدموع تنساح من عينيها الكحلاوين، دموع مزيج من الفرح والأسى، دموع الشفقة ودموع الاعتزاز، شفقة على زوجها الذي أنحنى ظهره ومازال لايمتلك شبراً من الأرض ولو بحجم حد قبر، وباعتزاز على الألفة الحميمية بين أولادها والجيران، وبينها وبين نسوة الحي اللواتي ما تخلين عنها أبداً، صحبة جميلة، عوضتها عن بعد أخواتها المنتشرات بين محافظات وطنها الكبير المرتفع دائماً كنخلة سامقة ..
في ليلة – أغلب الظن- كان القمر فيها آفلاً والنجوم بالكاد تنوس بخجل، كان رجال الحي يتبادلون على حمل التابوت الأحدب صوب مقبرة الحي، تتبعهم النسوة باكيات نائحات ..
فلقد مات الأب..، وترك تسعة أنفار وبيتاً بالايجار..!
وبعد رحيل الأب، بسنوات تفرّق الأولاد والبنات، منهم من اشترى داراً ومنهم بالإيجار، بعد أن تزوجوا والبنات تزوجنّ، الحالم، الابن الأكبر مازال صوت أبيه يدور في ذاكرته المثقلة بالأحلام والأماني، وكيف مات كمداً، مات يحلم ببيت يمتلكه ..!
واليوم ابنه الحالم، يمتلك بيتاً بخمس غرف، ثلاثة حمامات ومطبخ ايطالي وحديقة بوسع الأحلام..! لكن أولاده يصرخون بوجهه :ما هذه الدار..؟!
ليس لنا جيران، فمن أين تتشكل ذاكرتنا، ونحن بلا جار ولا صبية يشاركوننا أحلامنا ..؟! لا أدري لِمَ خطر ببالي السيد – باشلر- وجمالية مكانه، وظاهريته المكانية، ولا أدري لماذا استرجعت مقولته (ذاكرة الطفولة والحنين لبيت الطفولة قناديل لاتنطفيء..) ومكان الطفولة مرتبط بمن يؤهل هذا المكان، أولاد الجيران، الصحبة، موجوداته وهكذا..، حقاً من أين لهم ولذاكرتهم أن تتشكل وهي بمعزل عن هذا..؟!
وتكرر صراخ الأبناء بوجه أبيهم :
ليس لنا جيران..،
ما هذه الدار..؟
يا أبتي نريد الهجرة،
نريد الهجرة ..
ن..ر…ي…د
ا..ال…ه…ج..رررررررررررررررررررررة!
حينها راح الأب يسترجع وجوه جيرانه حين كان صبياً، وجه علي وعمر.. وجه عائشة ووجه زينب.. استرجع وجوه كل أصدقاء الصبا، وهم يبتسمون له بحنان: أين أنت يا صديقنا فلقد اشتقنا لك وطفح الحنين لرؤيتك جارنا الجميل..!
ومن الليل حتى قبيل انبلاج الفجر، راح يحلم ويبحث عن قبر للإيجار!!


الصباح الجديد

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا