عزيزي السلفي رغم أنك وأنا نعيش في زمن واحد وعلي أرض واحدة وننتمي إلي دولة واحدة، إلا انك فعلا وواقعًا تنتمي إلي عصر مضي وتجاوزه مسار التاريخ
الإنساني، لذا أجدني غير مستطيع أن أتواصل معك،فكل منا ينتمي إلي عالم مغاير لعالم الأخر.
أنت لا تخرج عن ولا تتجاوز فهمك الحرفي للنصوص الدينية المقدسة، ومن هذا المنظور تري أن كل نتاج الحضارة والحداثة تتناقض مع صحيح الدين اعني ما تفهمه من صحيح الدين ،وبالتالي فهي جملة وتفصيلا مرفوضة،فلكي تتسق مع نفسك وتبقي أمينا ومخلصاً لفهمك للدين كان عليك إن تعيش العصر بكيانك الجسدي فقط إما عقلك وروحك وأمالك وولائك ، فكلها تنتمي إلي عصر أخر ،العصر الذي تسميه عصر السلف الصالح .
فكما أصلح السلف دنياهم بدينهم ، بالقرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ،هكذا تذهب وتري انه في القرآن وبالقرآن والسنة الكفاية كل الكفاية ، وما علينا سوي جعلهما حاكمين لحياتنا ولسلوكنا ،حتى ندرك الفلاح والصلاح ورضا رب العباد.
ويترتب علي اعتقادك هذا أنك مالك للحقيقة المطلقة، التي كل ما عداها باطل ،الآمر يعطيك حق التحليل والتحريم وتكفير الآخرين المختلفين معك وعنك
وتمنح نفسك حق تغيير المنكر، اعني ما تراه منكراً ،وتذهب في هذا إلي حد استخدام القوة وإلاجبار ،بل تطبيق الحدود من قطع الأيادي والأذان والرقاب
وتبرر كل هذا العنف بأنك تقيم شرع الله و هل من حرج علي من يقيم شرع الله ؟!
وتجهر بان الدولة لا يجب إلا أن تكون دينية أصولية، تحكم بالشريعة وتطبق الحدود لرد المنكر والآثم ،وتعامل المواطنين غير المسلمين (الرعايا) معاملة دولة الخلافة الإسلامية لهم ،أي أنهم أهل ذمة وبالتالي لا يمكن أن يتساووا مع المواطنين المسلمين ،وعليهم دفع الجزية ،مقابل حماية المسلمين لهم.
لأنهم ليسو أهلاً لحمل السلاح وشرف الجندية، لسبب بسيط وهو أنهم أهل شرك وكفر.
وعلي هذا تري وجوب وضع قيود شديدة علي بناء الكنائس ،بل يجب منع بناءها في المدن التي استحدثها المسلمون.
والوطن والمواطنة وحقوق المواطنين بدعة وضلالة قال بها أهل الغرب الكافرون ،فلا ينبغي الأخذ بها. والرابطة أنما هي رابطة دينية، تربط المسلم المصري بأخيه المسلم الهندي أو الصيني أو الروسي،فالمسلم الأجنبي اقرب إلي المسلم المصري من مواطنه غير المسلم!
وهكذا يا عزيزي السلفي تحيا وتعمل وتجاهد ،كلما غلوت في رفض وإنكار حقوق غير المسلم كلما صورت لنفسك انك مسلم حقيقي !
فلا يقف موقفك من الآخر عند حدود الرفض ولكن يتعداه إلي العدوان علي دور العبادة وممتلكات وحياة هذا الآخر !
أقف أنا العلماني في مقابلك عزيزي السلفي وأنا لست ضد الدين ولست رافضاً للإيمان ،دعايتك ضدي في هذا الصدد أنني ضد الدين والإيمان باطلة ،زور وبهتان واتهام مرسل لا يستند علي دليل أو حجة.
العلمانية تعني أن الدين والإيمان مسار والوقع المادي النسبي المتغير الذي نعيشه مسار أخر ،لا يتقطعان ولكن يتوازيان. الدين والإيمان يلبي ويشبع حاجة ونزوع الإنسان الروحي، وان الإنسان ليس وحيداً في الكون الواسع المجهول ،ولكن هناك قوة عظمي (الله) تقف وراء الكون تؤنس قلب الإنسان وروحه فيشعر والآمان عبر التواصل مع الله عبر سبيل القلب والإيمان والتسليم بالعقائد الدينية . إما أمور الدنيا المتغيرة النسبية ،العقل سبيل الإنسان للتعامل معها ،لآن العقل البشري قوة معرفة وفهم وأدراك وربط وإقامة علاقات واستنتاج ،تمكن الإنسان من أن يظل حياً رغم الضواري وثورات الطبيعة ، وبناء الحضارة التي تجعله سيداً علي بيئته تمكنه من حل مشكلاته وتطوير حياته فيرقي بها ويقيم النظم ويسن القوانين التي تحمي وجوده الفردي وتنظم العلاقة بين الفرد والجماعة .
لذا أنا بوصفي علماني اقبل منجزات العقل والحضارة واري عكس ما تراه فهي لا تناقض الدين ولا أستطيع إن اكتفي بالكتاب والسنة فقط ،الكتاب والسنة طريق المسلم للتواصل مع الله ،لذا فأن الاكتفاء يهما يخرجني من العصر ويجعلني غير قادر علي حل مشكلات الحياة النسبية المتغيرة ،والتي تحتاج إلي إعمال العقل والاستعانة بالميراث الحضاري .
وإيماني بالعقل واستخدامي لمنجزات الحضارة الإنسانية في معالجة واقع الحياة ومشكلاتها النسبية المتغيرة ،يؤدي بي إلي التحرر من وهم امتلاك الحقيقة المطلقة
الآمر الذي يحررني من أثم فرض الوصاية والاستعلاء الأجوف علي الآخرين ،ويطهرني من نزعة التحليل والتحريم وتكفير من يخالفونني ،ويجعلني أقر واحترم مغايرتهم لي ،فلا تصادم ولكن حوار وتفاهم . ومن ثمة أستطيع إن أعيش مع الآخرين المساوين في سلام.
وحين يتعارض نص مقدس مع ما يقول به العقل ،فان المنهج العلماني يمدني بالقدرة علي تأويل النص المقدس ،إذ أن النص واحد وثابت ،في حين إن الواقع واشكالياته كثير ومتغير . من هنا وجوب التأويل العقلي للنص يراعي الظروف الحضارية، الاجتماعية ،الاقتصادية والثقافية النسبية المتغيرة التي في سياقها يُطبق النص، مما يحررني من اسر التفسيرات الحرفية الجامدة
وبعد العلمانية التي أؤمن بها ،تؤسس لدولة المواطنين، التي فيها يتساوى الجميع فلا فرق بين مواطن وأخر بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق أو الطبقة والثروة.
والدولة من منظور علماني مجرد جهاز يدير شؤون المواطنين لصالح تحقيق العدالة والحرية في إطار القانون،لا دين لها ولكنها تكفل للأفراد والطوائف المختلفة حرية العقيدة والعبادة ،أي تقف علي الحياد وبالتالي ينتفي التمييز ضد طائفة وأصحاب ديانة ما.
عزيزي السلفي أرجو أن تكون قد أدركت لماذا أنا علماني
رفعت عوض الله….كاتب وباحث