"كنا ذاتا واحدة شطرتها الطبيعة شطرين، كنا توأما
حقيقيا
جبل من نفس النطفة، لحظة حب بين اثنين، نتشابه مثل قطرتي
عن الأصدقاء .. عن العالم "
رواية التوأم ص76
تطل الشاعرة والروائية فاتحة مرشيد على
قرائها، برواية جديدة موسومة ب "التوأم"، صدرت عن المركز الثقافي للكتاب
ببيروت، لتكون بذلك العمل السردي الخامس للروائية بعد: "لحظات لاغير
(2007)"، "مخالب المتعة (2009)"، "الملهمات
(2011)"، ورواية "الحق في الرحيل (2013)"، ومجموعة من
الأعمال الشعرية كان آخرها ديوان "انزع عني الخطى (2015)".
تدور أحداث الرواية حول شخصية رئيسة اختارت
لها الكاتبة اسم "مراد"، مخرج سينمائي يقطن بمدينة طنجة المغربية رفقة
زوجته "نادية"، عاش طفولة صعبة بعد وفاة والدته وشقيقه التوأم "منير"
في حادثة سير مباشرة بعد طلاق والديه.
حقق في مجال اشتغاله نجاحا منقطع النظير،
بفضل طريقة عمله المتميزة، ناهيك عن توفره على مجموعة متكاملة على رأسها الفنانة
"نور" أخت زوجته ناديا، والتي يعشقها سرا، ويعتني بها علنا بذريعة
الصداقة الحميمة.
بعد طلاق نور من "كمال" الكاتب
الذي حول مراد روايته إلى شريط سينمائي، تكتشف نور حملها بتوأم، وتتضارب في ذهنها
فكرتي الولادة والإجهاض، ولأنها قررت إخفاء حملها عن الجميع إلا مراد، الذي ألح
عليهاللاحتفاظ بالتوأم، وقاما بخطة محكمة لم تترك لأحد فرصة كشفها، وعند إنجابها
لهم تتبناهم ناديا وفؤاد على أنهم أبناء امرأة توفيت أثناء الولادة.
تنطلي الخدعة على الجميع، ويستحضر مراد صورة
شقيقه التوأم منير كلما نظر إلى جاد ووائل، وفي عيد ميلادهم الثالث تصاب ناديا
بالتهاب كبد حاد، عجل في رحيلها، حادثة خلفت أضرار نفسية حادة على أفراد الأسرة، إلا
أن مراد تجاوزها جزئيا بقدوم والده الذي لم يره لمدة طويلة، وأجابه عن عديد
الأسئلة التي كانت تؤرقه، وفي الأخير يكشف عن حبه لنور التي بادلته الشعور نفسه
ولو بشكل مضمر.
صاغت فاتحة مرشيد روايتها "التوأم"
بلغة شعرية اعتادها قارئ روايات هذه الكاتبة، وهذا أمر طبيعي لمبدعة اقتحمت عوالم
السرد قادمة إليها من بحور الشعر، إلا أن هذه الورقة ستتجاوز المستوى اللغوي، إلى
مستوى يتعلق باللبنات التي بني وفقها النص الروائي "التوأم".
· الأجناس المتخللة:
ذهب محمد برادة في كتابه "أسئلة النقد
أسئلة الرواية" إلى القول بأن
الرواية جنس متعيش ينهض على أجناس إبداعية أخرى، يستلهم منها نقاط قوته،
ومكامن جماليته، وهو بهذا يوافق الطرح الباختيني المؤكد على أن الجنس الروائي
تتخلله مجموعة من الأجناس الإبداعية الأخرى.
تقوم رواية "التوأم" على هذا
"المبدأ"، إذ نجدها تتضمن خطابات أجناس أدبية أخرى، أبرزها الشعر، الذي
تقتات منه الكاتبة لتضفي على روايتها طابعا جماليا شاعريا وظيفته الأولى إمتاع
القارئ وجذبه، وكثيرة هي المواضع التي يستشعر فيها قارئ الرواية أنه أمام نص شعري
تملأه التشبيهات، ويزخر بالاستعارات، ويحفل بالمجازات. ثم نجد الأقوال المأثورة أو
الاستشهادات النصية، والتي نقصد بها الحكم والأمثال والشذرات التي تكون عبارة عن
جمل حاملة لمعاني عميقة، أصحابها فلاسفة ومبدعين، استعملتها فاتحة مرشيد بشكل كبير
في الرواية، مراعية ذكر أسماء أصحابها، والملاحظ في هذه الأقوال حديثها عن السينما
والفن، ما جعلها تلائم مهنة السارد – البطل، أي أن اختيارها كان عن وعي، وجاءت لتؤدي
وظيفة التأكيد على الأفكار الواردة وإضفاء طابع جمالي على نص الرواية.
· المعارف المتضمنة:
استطاعت فاتحة مرشيد أن تستثمر خطابات
الأجناس الإبداعية الأخرى في عملها الروائي، إلا أنها تجاوزت ذلك إلى تضمن الرواية
لمعارف متعددة، تعمق من وعي القارئ، وتقترح إجابات علمية على مجموعة من الأسئلة،
أو تكون مصدر إزعاج – إيجابي – يدفع لطرح أسئلة جديدة، وتكون المفتاح الذي يمهد
طريق القارئ إلى البحث والمعرفة.
1. عالم السينما: تعريفات أولية
تقدم رواية "التوأم" عالم السينما
بشكل مبسط، تقرب القراء من مختلف العناصر المشكلة لهذا الفن السابع، تجعله على
بينة بأهمية المونتاج في العمل السينمائي، ورد في الرواية: "قاعة المونتاج
تشبه قاعة العمليات لجراحة التجميل" (ص18)، كما تذهب إلى تصحيح اعتقاد
خاطئ بأن المخرج السينمائي القائم بكل شيء في حين أن المخرج الناجح هو المتسلح
بفريق عمل متميز.
2. الحب: تفسيرات علمية
تطرح فاتحة مرشيد في الصفحة 61 من الرواية على
لسان موريس المغربي اليهودي صديق مراد، الحب من منظور علم الأعصاب، لتدحض بذلك
الأقوال الرائجة والمسلمات الخاطئة، وتفسر هذا الإحساس من منظور علمي منطقي، يقول
بأن الحب عبارة عن إفرازات هرمونية تقع في الدماغ لا القلب.
3. وقفة تأملية على الثقافة الإيطالية – فلورنسا –
1.3 دانتي
أليغري:
عرضت الكاتبة نبذة من حياة الشاعر الإيطالي
دانتي أليغري، مركزة على قصة الحب التي اشتهر بها والتي جمعته ببياتريتشه، هذه
العلاقة التي ألهمته في عمله الشعري الشهير "الكوميديا الإلهية". وقد
أوردت فاتحة مرشيد هذه القصة دون ذكر أعمال هذا الشاعر، ممارسة بذلك نوعا من
الاستفزاز المحبب الذي يدفع القارئ إلى البحث والاستقصاء.
2.3 مايكل أنجلو:
تنتقل فاتحة مرشيد بقارئها من دانتي أليغري
الشاعر إلى مايكل أنجلو الفنان، حيث قدمت في الصفحة 65 معلومات عن هذا الرسام
والنحات الذي خلده تاريخ الفن، لإبداعاته المتميزة خاصة تمثال داوود الذي سلطت
عليه الكاتبة الضوء، واعتبرته – على لسان ساردها "أعظم أعمال أنجلو
النحتية" (ص65).
4. الطب في خدمة السرد
تستثمر فاتحة مرشيد مجال تخصصها – الطب – في
إغناء روايتها من الناحية المعرفية، حيث أدرجت مجموعة من المعلومات والمعارف
المتعلقة بمجال الطب.
1.4متلازمة ستندال: الجمال المؤذي:
أصيبت نور أثناء زيارتهم لفلورنسا، بغيبوبة
نقلت إثرها إلى المستشفى. ظن مراد أن الحمل هو سبب ذلك، إلا أن الطبيب فند هذا
الظن، وأكد على أن نور أصيبت بمتلازمة ستندال أو ما يسمى بمتلازمة فلورنسا، وهي
حالة تصيب السياح لشدة الجمال الذي تزخر به هذه المدينة، وقد اتخذت هذه الحالة اسم
متلازمة ستندال، نظرا لأن المبدع الفرنسي المشهور ستندال هو أول من أشار إلى
إحساسه بشيء غريب أثناء وجود بكنيسة سانتا كروس، لتأتي طبيبة تدعى
غرازيلاماغريتي سنة 1979 تؤكد أن رؤية
الإنسان لأعمال فنية جميلة تجعله يصاب بغيبوبة نتيجة الانفعالات والمشاعر الحادة
التي لن يستطيع الجسد تحملها.
2.4 التوأم: حقائق طبية
يتميزالتوأم بخصائص مميزة تجعله حالة فريدة،
وقد قدمت فاتحة مرشيد في روايتها مجموعة من المفاتيح التي تساعد على فتح لغز
التوأم واستكناه مميزاته، إذ يذهب الطب إلى أن "الجنينين يتواصلان داخل بطن
الأم ابتداء من الشهر الثالث، فعندما يخرجان إلى العالم يكونان قد تقاسما نفس
التاريخ ونفس المعاش داخل الرحم، وهذا مما يشرح علاقتهما العاطفية الوثيقة وعلاقة
توارد الخواطر بينهما: بحيث إذا أصيب أحدهما بوعكة فالآخر يحس بنفس الألم، وحتى
عندما يكونان بعيدين عن بعضهما بمسافة طويلة فهما يتألمان لنفس الشيء، ويهتمان
بنفس الشيء، وقد يعيشان نفس التجارب عن بعد" (ص108)، تقوم فاتحة مرشيد في هذا
المقطع بعملية تشريح لنفسية التوأم والخصائص السيكولوجية المميزة لهم، مقدمة بذلك
خدمة معرفية علمية للقارئ.
تركيب:
استطاعت فاتحةمرشيد في روايتها
"التوأم" أن تحقق المتعة للقارئ أولا، وأن تثقفه ثانيا، إذ إن قارئ هذه
الرواية ينتهي منها بإضافات عديدة تثري رصيده المعرفي، هذه الخاصية أي خاصية
التثقيف تميز الرواية باعتبارها جنسا أدبيا يستقطب أشخاصا من مجالات معرفية أخرى،
تكون حاملة لرصيد معرفي مهم في مجالها، تفرغه وتوظفه في الرواية، وهذا ما تقوم به
فاتحة مرشيد، التي دائما ما تستغل معارفها الطبية منذ روايتها الأولى "لحظات
لا غير (2007)" وصولا إلى رواية "التوأم" التي – وكما وضحنا – تزخر
بالمعلومات والمعارف، وتشكل إضافة مهمة في خزانةالرواية المغربية.
لقد أسعدني الإطلاع على هذه القراءة النقدية التي تقدمت بها زميلي مهدي لرواية -توأم- الكاتبة والمبدعة فاتحة مرشد ، ذلك أنها أول قراءة لهذه الرواية -التي لم تصل إلى المغرب بعد- أحاطت فيها بمختلف الجوانب ما حفزني و شوقني إلى قراءتها ، فهنيئا لك ولنا زميلي بهذا المجهود ، دام لك العطاء والتألق
ردحذف