الدورة الثانية للمهرجان الدولي للمسرح بسيدي قاسم : تكريم مسرحي وندوة
فكرية وحفلات توقيع وجوائز وأنشطة موازية
وتضمن برنامج هذه الدورة التي حملت اسم الكاتب المسرحي
المسكيني الصغير تقديم عروض مسرحية في إطار المسابقة الرسمية، وهي:
ـ "ريق الشيطان"
لفرقة صرخة الركح من تمنراست بالجزائر، تأليف عبد الله حسين فالح وإخراج عبد القادر
عزوز.
ـ "الرجل الفنار" لفرقة بريدة المسرحية
من المملكة العربية السعودية، تأليف محمود أبو العباس وإخراج أحمد الحسن.
ـ « STABAT MATER FURIOSA » لجمعية
Les fées Caramelles من فرنسا، تأليف جان ـ بيير سيميون وإخراج
سيلفي غيسنون.
وخارج المسابقة، قدمت فرقة مسرح الحال عرضا جديدا
لمسرحية "الهياتة" من تأليف حسن مجاهد وإخراج عبد الكبير الركاكنة، كما قدمت
فرقة نور الديجور مسرحية "غزل" تأليف وإخراج عبد الخالق بلفقيه، بينما عرضت
فرقة "دارنا داركم" مسرحية "وداعا أيها الطيب" اقتباس وإخراج عبد
اللطيف نحيلة.
تكريم المسكيني الصغير
حفل الافتتاح، الذي حضره العديد من المثقفين والفنانين
وفي مقدمتهم الفنان محمد الجم وعدد من المنتخبين المحليين وممثلي السلطات الإقليمية،
شهد تكريم الكاتب المسرحي المسكيني الصغير، حيث قدم الإعلامي والناقد المسرحي الطاهر
الطويل شهادة تحدث فيها عن دور المحتفى به في إثراء حركة التأليف والتنظير المسرحي
بالمغرب، من خلال نصوصه العديدة، وتنظيره المعروف بـ"المسرح الثالث"، علاوة
على إسهاماته المهمة في مسرح الطفل. واعتبر المتدخل المسكيني الصغير أحد المثقفين المغاربة
المعروفين بمواقفهم الشجاعة والصريحة والمؤمنين بالقضايا العادلة المتمثلة في الكرامة
والحرية والعدالة الاجتماعية ومختلف القيم المتصلة بحقوق الإنسان.
"سؤال الكتابة المسرحية اليوم"
وفي إطار فعاليات المهرجان، أقيمت أيضا ندوة فكرية
في موضوع "سؤال الكتابة المسرحية اليوم"، أدارها عبد الخالق بلفقيه (مدير
المهرجان الدولي للمسرح بسيدي قاسم)، وعمل عبد السلام لحيابي مقررا لها.
أوضح المسكيني الصغير أن الحديث عن الكتابة المسرحية
يفترض رؤية ينطلق منها الكاتب، بناء على مرجعيات فكرية واجتماعية واقتصادية، مما يتيح
وضح مجموعة من التساؤلات المقلقة التي تحدد خطاب الكاتب ضمن النص المسرحي.
وأشار إلى أن النص المسرحي الحقيقي هو الذي يحترم
تقنية الكتابة، لدى العديد من الكتاب المسرحيين الملتزمين بالقضايا المعيشة للإنسان.
كما لاحظ وجود تنميط في بعض النصوص المسرحية التي تبتعد عن هموم الإنسان المغربي، وختم
مداخلته بإثارة الانتباه إلى غياب السياسة الثقافية في المغرب.
بعد ذلك، قدم الكاتب والمنظر المسرحي الدكتور عبد
الكريم برشيد مداخلة تحدث فيها عن صعوبة الكتابة المسرحية اليوم، مؤكدا أن لا أحد اليوم
يجرؤ على فعل الكتابة للمسرح، لدرجة أن الكثير من المسرحيين تحولوا إلى الإعداد والترجمة
والاقتباس وإلى ما أسماه "المختلسات" و"المسرقيات"، بدعوى الانفتاح
على الآخر. وقال: أخوف ما نخافه هو أن تتفاقم هذه الصعوبة، وأن تصبح في درجة المحال،
وبذلك تصدق نبوءة بعض المتنبئين الذين روجوا إشاعة موت الكاتب أو موت الكتابة.
وأضاف قائلا إن فعل الكتابة لا يمكن أن يكتمل إلا
بالقراءة، والكاتب لا بد له من جرأة، وأن يكون على يقظة، فقد صار من الضروري اليوم
أن نطرح حاضر ومستقبل الكتابة المسرحية.
الكاتبة والفنانة المسرحية الليبية سعاد خليل أشارت
في مداخلتها إلى أن الكتابة المسرحية تعتبر من أهم العناصر في العمل المسرحية، ملاحظة
وجود قلة في الكتاب المسرحيين الذين يجيدون الكتابة المسرحية بحبكاتها الدرامية بشكل
مدروس وعميق، خلال السنوات الأخيرة في العالم العربي. مما يدل ـ برأي المتدخلة ـ على
حدوث تراجع في كتابة وإبداع النص المسرحي. وقالت بهذا الخصوص: أحيانا، الكاتب لا يملك
مقومات الكتابة، مما يكون له أثر سلبي على العرض المسرحي. وهناك بعض النصوص تحتاج إلى
جهد دراماتورجي، يتماشى مع السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي ومع هواجس المجتمع وانشغالاته.
وأعربت المتدخلة عن اعتقادها بأن الكتابة المسرحية،
اليوم، أصبحت تعوم مع تيارات لا تقود لشيء سوى السراب، وتدور في المدارات المتأخرة
لنواة المسرح، دون الوصول إلى الحقيقة الجوهرية للمجتمع.
وحاول الإعلامي والناقد المسرحي الطاهر الطويل أن
يميز في مداخلته بين أنواع الكتابة المسرحية التي قسمها إلى: الكتابة الركحية (السينوغرافيا)،
الكتابة بالجسد (الكوريغرافيا)، الكتابة النصية (التأليف).
وذكر بأن النص المسرحي ارتبط تاريخيا بالمسرح منذ
بداياته الأولى، ومن ثم لا يمكن إلغاؤه، مشيرا إلى أن هناك مخرجين عربا يسعون إلى
"قتل الأب" بإلغاء المؤلف والنص المسرحي، وتعويضه بالاشتغال الشكلي والبصري.
ونفى وجود أزمة تأليف مسرحي، حيث قال: في المغرب مثلا هناك ذخيرة متنوعة من النصوص
التي يمكن الاشتغال عليها من لدن الفرق المسرحية.
بعد ذلك، انتقل للحديث عن العلاقة بين الإبداع والحرية،
فأكد أن ثالوث الجنس والدين والسياسة (الثالوث المحرم) حضر في النصوص المسرحية العالمية
بأشكال مختلفة منذ القديم، ولا يمكن أن يكون اليوم ذريعة للابتذال واستفزاز الجمهور.
وختم مداخلته بالدعوة إلى ضرورة استعادة الجمهور إلى المسرح، عبر الإبداع الجيد، وليس
عبر الإثارة والركوب على الشعارات.
حين فتح مجال المناقشات، تدخل الباحث أسامة السروت
الذي تبين له انطلاقا من المداخلات المقدمة أن الكتابة المسرحية تنحو نحو فكرة أن هناك
أزمة كتابة، والحقيقة ـ كما قال ـ أن هذا التخوف لا محل له، حيث إن المسرح أبو الفنون،
وهو فن متمفصل، فهو عرض، وبالتالي فمهما تطورت الفرجة المسرحية يبقى أساسها نص أو على
الأقل فكرة.
وتابع قوله إن الحديث عن الكتابة المسرحية يجرنا
إلى فكرة الدراماتورجيا، مشيرا إلى التعريف الفرنسي الذي يعرف الدراماتورج بأنه الكاتب،
في حين تعد المدرسة الألمانية هي التي فجرت هذا المفهوم إذ جعلته ينحو العرض المسرحي
أكثر، وبالتالي أوجدت مفهوم الدراماتورجيا البصرية، وذلك في سياق ما عبر عنه الدكتور
حسن المنيعي بمصطلح "الحساسية الجديدة".
الأستاذ مبارك آيت القايد، حاول في تدخله أن يثير
تعدد سؤال الكتابة المسرحية، موضحا أن هذا السؤال مطالب ـ في رأيه ـ أن يتفاعل مع الواقع
العربي والإسلامي، وبالتالي يتعين البحث في النص المسرحي عن مدى قدرة الكاتب على تجسيد
رؤية يقارب بها الأسئلة المقلقة المرتبطة بالواقع المعيش وبأفق انتظار الجمهور الذي
يشاهد العرض المسرحي.
أما الفنان المسرحي محمد صوصي علوي فركز مداخلته
على المقارنة بين حال الكتابة المسرحية المغربية اليوم وحالها الأمس، مشيرا إلى أن
الحركة المسرحية خلال السبعينيات والثمانينيات أفرزت مجموعة من الكتاب المسرحيين البارزين
أمثال عبد الكريم برشيد والمسكيني الصغير ومحمد مسكين ومحمد تيمد ومحمد الكغاط وغيرهم؛
معتبرا أن الهواية كانت هي المحرك الأساس لأولئك المبدعين، حيث كتبوا نصوصا مسرحية
ما زالت تحظى بمكانة مرموقة إلى اليوم، في حين نفتقر إلى مثل هذا العطاء المسرحي اليوم،
على حد رأيه.
المخرج السينمائي العراقي سفيان ميرزا المقيم في
ألمانيا قدم صورة عن المسرح في هذا البلد الأوربي، حيث أصبح العرض المسرحي استعراضيا،
يكاد يغيب فيه النص.
أما المخرج والممثل أمين ناسور فقدم مجموعة من التوضيحات
حول طبيعة تعامل طلبة وخريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي مع النصوص
المسرحية، نافيا أن تكون هناك أية قطيعة بين هذا الجيل الجديد من المسرحيين وبين المؤلفين
المسرحيين المغاربة، مقدّما أمثلة على تعامل طلبة المعهد وخريجيه مع النصوص المغربية.
كما أوضح أن تعامل المخرجين مع المؤلفين لم يعد
بالطريقة التقليدية المعروفة، إذ تم تجاوز الطابع التقديسي للنص المسرحي، وأصبح الاشتغال
عليه وفق أساليب دراماتورجية جديدة.
توصيات لجنة التحكيم
ضمت لجنة تحكيم الدورة في عضويتها كلا من الدكتور
عبد الكريم برشيد (رئيسا) والكاتب والإعلامي الطاهر الطويل (مقررا) والفنانة الليبية
سعاد خليل والفنان العراقي سفيان ميرزا المقيم في ألمانيا (عضوين). وقد أثنت اللجنة
في تقريرها على جهود منظمي المهرجان ومدعميه، مساهمة في تعزيز التنشيط الثقافي بمدينة
سيدي قاسم، وضمان إشعاع أكبر لها في سبيل أن تصير مستقبلا أحد مراكز الاستقطاب الثقافي
والفني والسياحي، بالنظر لموقعها المميز ولمؤهلاتها المتنوعة ولإرثها التاريخي والحضاري.
وهو ما يستدعي تقوية الاهتمام بالرأسمال اللامادي ورصد دعم أكبر لمثل هذه الفعاليات.
واسترعى انتباه اللجنة الاهتمام بالشباب المسرحي
الشغوف بهذا الميدان في العروض المشاركة في المسابقة، وهي نقطة تُحسب لصالح الفرق المذكورة،
بالقدر الذي تُحسب أيضا لصالح إدارة المهرجان.
كما سجلت اللجنة التوصيات التالية:
ـ أولا: ضرورة الاهتمام أكثر بالتأليف المسرحي،
وذلك لتجاوز الثغرات الكبرى التي لوحظت في نصوص الأعمال المقدمة خلال المهرجان في دورته
الثانية.
ـ ثانيا: الحرص على سلامة اللغة العربية من حيث
نطقها وتشكيلها في العروض المسرحية المقدمة باللغة العربية الفصحى.
ـ ثالثا: دعوة إدارة المهرجان لبرمجة جلسات نقدية
لمناقشة العروض المسرحية، لما في ذلك من فائدة لأعضاء الفرق المشاركة من جهة، ولإثراء
الثقافة المسرحية لدى الحاضرين من جهة ثانية.
ـ رابعا: دعوة الجهات المسؤولية في سيدي قاسم إلى
الإسراع بتهييء خشبة المسرح التي تحتضن العروض، وتزويدها بالوسائل والإمكانيات التقنية
واللوجيستيكية الضرورية.
ـ خامسا: الحرص على ضبط توقيت تقديم العروض المسرحية
المشاركة في المهرجان.
الجوائــز
بعد تقييم الأعمال المسرحية المشاركة في هذه الدورة،
ارتأت اللجنة ما يلي:
ـ جائزة التشخيص إناث:
تُمنح للممثلة وهيبة باعلي من الجزائر عن دورها
في مسرحية "ريق الشيطان" لفرقة صرخة الركح.
ـ جائزة لجنة التحكيم الخاصة:
نظرا لعدم وجود ممثلين ذكور متنافسين في الأعمال
المشاركة، باستثناء ممثل واحد، ارتأت لجنة التحكيم أن تمنح جائزة خاصة للممثل أحمد
الحسن من السعودية عن دوره في مسرحية "الرجل الفنار" لفرقة بريدة المسرحية،
وذلك بالنظر للجهد الذي بذله على مستوى الأداء.
ـ جائزة الإخراج:
قررت اللجنة أن تمنحها للمخرج عبد القادر عزوز من
الجزائر عن إخراجه لمسرحية "ريق الشيطان" لفرقة صرخة الركح.
ـ جائزة الأمل التشجيعية:
لفرقة Les fées Caramelles من فرنسا، لتقديمها مسرحية نسائية على مستوى التمثيل حيث مزجت بين ممثلات
من المغرب وممثلة من فرنسا، وأيضا لنبل القضية التي يطرحها عمل هذه الفرقة.
ـ أما جائزتا التأليف والسينوغرافيا، فقد ارتأت
لجنة التحكيم حجبهما لعدم استيفاء الأعمال المسرحية المقدمة للشروط الإبداعية المؤهلة
للحصول عليهما.
أنشطة مختلفة
بموازاة مع العروض المسرحية، أقيمت عروض لفرق مسرح
الشارع وفرق الفنون الشعبية، وورشات تدريبية لفائدة مجموعة من الشباب المسرحي، بالإضافة
إلى لقاءات مفتوحة مع فنانين مسرحيين وتوقيع كتب مسرحية لعدد من المؤلفين المغاربة
وتنظيم زيارة استطلاعية لموقع وليلي الأثري.
آفاق المهرجان
أعلن الفنان عبد الخالق بلفقيه (مدير المهرجان)
في الحفل الختامي للمهرجان أن الدورة الثالثة ستقام خلال فصل الربيع من العام المقبل
(2017)، وذلك تفاديا للطقس الحار الذي رافق تنظيم الدورة الحالية.
كما أعلن أن مجلس جماعة سيدي قاسم أعرب عن استعداده
لتعزيز التعاون الوثيق من أجل تنظيم المهرجان وذلك في إطار اتفاقية شراكة.
ووجه بلفقيه عبارة الشكر لوزارة الثقافة على دورها
في التنمية الثقافية والفنية وتعزيز البعد الجهوي للثقافة.
وأسدل ستار الدورة بتلاوة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة
إلى جلالة الملك محمد السادس من لدن منظمي المهرجان.