-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

عزيزي السّلفي : سعيد ناشد

عزيزي السلفي، بعد التحية والتقدير، والبسملة والتكبير، أرجو منك أن تجيبني عن أسئلتي التالية:
ـ السؤال الأول: لنفترض أنك مقاتل ضمن جيش نظامي، أو رفقة مجاهدين متطوعين في سبيل الله، أو لنصرة الحق، أو من أجل الوطن، وفي الأخير تحقق لكم ما ترجونه من نصر وتمكين، فهزمتم أعداءكم شرّ هزيمة، وأثخنتموهم قتلا وجراحا، ثم أسرتم منهم عددا محددا، فهل ستقومون بسبي نسائهم؟
كان «سلفنا الصالح» – على عادة حروب العالم القديم – يفعلها، من دون أي شعور بالذنب. فقد كان سبي النساء يعدّ وقتها حقاً من حقوق المنتصرين في الحروب، سواء أكانوا أنبياء أم أمراء أم مجرّد قطاع طرق. لكن، دع عنك أخبار الماضي وقل لي صدقا، ماذا عنك أنت؟ هل يمكن أن تفعلها من دون أن ينتابك أدنى شعور بالذنب أو بتأنيب الضمير؟ مجرد التوجس يدل على أن ضميرك الأخلاقي صار أكثر تقدما من الضمير الأخلاقي لأسلافك، ما يؤكد أن أن القيم الأخلاقية لم تكن كاملة مكتملة في أي عصر من عصور الماضي، وإنما هي ما تنفك تتطور بتوالي الزمن.
ـ السؤال الثاني: ربما لديك ابن في ربيعه الرابع عشر. لنفترض أنه استُدعي للتطوع في حرب من أجل الوطن أو الدين. لا أشك في أنك ستحتج وستعتبر الأمر من باب خرق حقوق الطفل. ومع ذلك فإن «سلفنا الصالح» كان يعتبر مشاركة أطفال في سن الـ14 من باب الشهامة المبكرة. أنت لست مثلهم إذاً؛ أنت وعيك الحقوقي صار أكثر تقدما عن الوعي الحقوقي لسلفك.
ـ السؤال الثالث: لو أنك رجعـت مرة إلى بيتك، فوجدت امرأة تطـلب خطـبة ابــنتك ذات الاثني عشر ربيعا، لابنها، فكيف ترد على مثل هذه النازلة؟ هل تتفهم الــطلب بدعـوى أن «السلف الصالح» كان يجيز بل يستحب مثل هذا التصرف، أم أن مشـاعر الأبوة الحديثة ستتحرك فيك لأجل حماية طفلتك الصغيرة؟
ـ السؤال الرّابع: لو أن جارك الذي يسكن قرب منزلك سرق منك سيارتك وأموالك، فهل ترجو له عقوبة جسدية من قبيل أن تقطع يده، ثم يبقى حرا أبتر وطليقا بجوارك، أم تفضل عقوبة سالبة للحرية، فيرمى في السجن؟
بعد الإجابة، ستلاحظ عزيزي السلفي أنك، بمعزل عن كل فصام أو هذيان، مرجعيتك الأخلاقية هي مرجعية العالم الجديد نفسه، عالم الحداثة. مرحبا بك. لكن..
ـ سؤال خامس: هل أنت تعتز بتراثنا الإسلامي أم أنك تكتفي منه بالنزر القليل؟
عصرك الذهبي لا يتعدى عمره ثلاثة عقود من خلافة المدينة. لكن، وقتها ماذا أضاف العرب والمسلمون للعالم؟ لا شيء. بل، في ذلك الحيز الزمني القصير، قتل ثلاثة خلفاء من أصل أربعة، وتقاتل المسلمون في ما بينهم، ومعهم كبار الصحابة، خلال فتنتين طاحنتين: «موقعة الجمل» و«الفتنة الكبرى».
أفلا ترى أنك تلغي من عصرك الذهبي ثلاثة قرون من خلافة بغداد، حين أضاف العرب والمسلمون للعالم معارف كثيرة في الرياضيات والكيمياء والفلك والموسيقى والطب والفلسفة… إلخ؟ أين تراثك يا عزيزي من الخمريات الإلهية لابن الفارض، ومن رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، ومن الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، ومن رسائل إخوان الصفا؟ وفي الأخير، هل يمكنك أن تكون أمينا ومؤتمنا على تراثنا وهويتنا وأصالتنا وتاريخنا وماضينا، أم كل ما تفعله هو أنك تلغي حضارة الإسلام جملة وتفصيلا باسم إسلام افتراضي؟
عزيزي السلفي، أنا أكثر منك حبا وتمسكا واعتزازا بهويتنا العربية والإسلامية. ومن أجل ذلك الحب الصادق والبعيد عن الحسابات السياسوية الضيقة، فأنا أستمتع بالشعر العربي كله، من المعلقات إلى الرباعيات، ومن الخمريات إلى الإلهيات. أعشق مقاماتنا الموسيقية جميـعها من النـهوند الفـارسي إلى الكرد الكردستاني، ومن الحجاز الحجازي إلى الخماسي السوداني. وكم يؤلمني أن لا يكون الاعتزاز بهويتنا الموسيقية جزءا من دفاعك المزعوم عن الهوية التي أفقرتها في الواقع، واختزلتها في مجرد «كتاب الله وسنة رسوله».
 عن السفير

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا