عن المثقفين وتحولات الهيجمونيا المحاضر: بنسالم حميش
الفعالية: المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية
والإنسانية
عن المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية
ألقى الدكتور بنسالم حميش هذه المحاضرة في الجلسة التأسيسية الثانية التي عقدت في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مراكش - المغرب في الفترة 19-21 آذار/ مارس 2015.
ألقى الدكتور بنسالم حميش هذه المحاضرة في الجلسة التأسيسية الثانية التي عقدت في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مراكش - المغرب في الفترة 19-21 آذار/ مارس 2015.
مقدمة
إنّ المقاربة التي نوليها الأسبقية في طرْق الموضوع
المعلن هي المقاربة الفكرية النقدية، فبإعمالها نتوخى، أساسًا، الكشف في مركّباته عن
بُؤر الصدوع والاختلالات، وعن صِنافة للمثقفين في الموضوع نفسه بمقياسي الجودة والتأثير،
وهي صنافة من شأنها أيضًا تجنيبنا اختلاط الوجوه والأدوار علينا واشتباهها.
تعرف الثقافة، في عصرنا، مثل كلّ منظومة حية، تطورات
وطفرات في الوضع والوظائف، منها: المساهمة في بناء مجتمع المعرفة وتقوية أساسياته،
ونقد تجاوزات العولمة السائبة والرأسمالية المالية الافتراضية القائمتين على التحلُّل
من الواقع وتجاهله، ومعاداة مصالح الناس وحقوقهم، وتمكين منظومات التسيير والتدبير
من وسائل التثقيف والعقلنة والتيسير، وإرصاد مكامن سلوك التطرف والعنف وتشخيص علل تكوّنها
واعتمالها؛ بغية معالجتها ومغالبتها وتخليص المجتمع والناشئة من تمظهراتها ومخاطرها،
وغير ذلك. إنها إجمالًا إحدى رافعات التنمية البشرية، فالغايات المتوخاة هي التنافسية
المبتكرة، وترقية الأذواق واللغات، وحياة اليسر للأفراد والجماعات. وتكمن في هذه الأركان
وما يجانسها الأفعال القوية لربح رهانات التطور النوعي والانتفاع بخيرات المدنية والحداثة
وخدماتهما؛ أي رهانات الثقافة التنموية المطَّردة.
لقد تعدّدت تعريفات المثقف وتقاطعت. ولعل أقربها
إلى موضوعنا يثوي في نظرية جان بول سارتر المتعلّقة بالالتزام، ومفادها أنّ المثقف
هو من عليه واجب الوفاء لمجموعة سياسية واجتماعية، مع ممارسة حقّه في انتقادها؛ أو
أنه من يتدخل في ما لا يعنيه مع استيفاء شرط الخبرة والدراية. وقد نقول تماشيًا مع
موضوعنا: إنّ المثقف هو من يسعى جادًّا بعُدَّته المعرفية والفكرية لإيقاظ الهِمم والضمائر،
وتحريك سواكن الغفلة والتلهي عن قضايا وأوضاع خطِرة جسيمة.
وفي القرن العشرين، كان للمثقف الغربي، عمومًا،
وضع اعتباريٌّ خصوصي؛ أي حتى خارج التكتلات والأحزاب السياسية. فقد دأب في اعتماد مواقف
وقضايا في ضوء فكره ومبادئه، وفي العمل على التعبير عنها بقلمه بالوسائل الإعلامية
والتواصلية المتاحة. ومن ذلك مثلًا دفاع سارتر عن استقلال الجزائر ووقوفه مع برتراند
راسل ضدّ الحرب الأميركية على الفيتنام، أو مثل معارضة فوكو للأسْر في مستشفيات الطب
العقلي ونظام الاعتقال الحبسي، إضافةً إلى أعلام آخرين كُثرٍ عُرفوا بمواقفهم المناضلة
المتعلقة بقضايا ساخنة وحروب مدمرة، من أمثال تشومسكي، وغويتصولو، وبورديو، ودوبري،
وغيرهم ممَّن يصدرون عن مجال تخصص معيّن وعن ثقافة حيّة واسعة. أمّا عربيًّا، فإنّ
المثقفين الذين يُدرجون - بنحو أو آخر - في هذا التوصيف، فمن أبرزهم: مهدي عامل، وحسين
مروة، وإدوارد سعيد، وعزمي بشارة، وعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، والمهدي المنجرة..
إلخ. ومن نافلة القول إنّ ذاك التعريف المبنيّ على التلازم لا يصحّ في شأن المنتمين
إلى صنف المثقفين المزيفين.
إنّ المفترض في المثقفين النزهاء، إذن، أن يكونوا
فاعلي الثقافة ومنتِجيها، متطابقين ما أمكن مع قول لريني ماريا ريلكي: "المثقف
هو من يساهم في تحريك البحر المتجمد فينا". لكن يحسن دومًا أن ننظر إلى مثل هذا
التعريف وما يضاهيه مثاليةً في مرآة واقع الحال والتجربة، وعبر نماذج مخصوصةٍ ملموسة.
وإنّ المثقف الأنموذجي حريّ به، وأولى له، أن يتموقع
في المجتمع المدني ويظهر، كما أكد ماكس فيبر، وأنطونيو كـرامشي، وابن خلدون قبلهما،
في مقام نقديٍّ بإزاء سلطات التشريع والحكم مغاير للسياسي؛ أي إنّه، كما ذهب إلى ذلك
إدوارد سعيد "هذا الصوت الآخر (Outsider)" الذي ليس مشيِّد
إجماعٍ، بل هو فردٌ يُلزم وجودَه ويخاطر به انطلاقًا من حسٍّ نقدي مطَّرد؛ فردٌ يرفض
- مهما كان الثمن - التعابير السهلة، والأفكار الجاهزة، والمواقف الملتبسة، إزاء خطابات
رجال السُلطة وأفعالهم وذوي العقول المتكلسة، وهو لا يرفضها فحسب، بل يجهر لهم برفضه
أيضًا.
لمتابعة قراءة الورقة كاملة انقر هنا ، أو على الصورة
في الأسفل