-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ماذا فعل بنا الدين؟ أو ماذا فعلنا بالدين؟ محمد أبخوش

أن تكتب ردا أو مقالا أو تعليقا على مقال قديم أو نشر منذ مدة فيه مغامرة كبيرة لأن الأفكار كالإنسان تتغير وتتبذل لذى وأنت تحاول ذلك فكأنك تلج إلى المجهول من حيث
أنت تعلم حجم المخاطرة.
نشرت مجلة اتحاد كتاب الأنترنيت المغاربة مقالا للأستاذ عبد الجواد سيد عبد الجواد عنونه ب "ماذا فعل بنا الدين؟" وذيله ب جاكارتا 5_7_2014. لكن الحظ لم يسعفني في قراءته في آنه. وأنا أستعرض منشورات المجلة اليوم أثارني عنوان المقال فاطلعت عليه مما دفعني إلى ابداء بعض الملاحظات التي بدت لي ضرورية حينما يتعلق الأمر بالكتابة عن الدين وعن صلته بالمجال الاجتماعي للمؤمن.
أولى الملاحظات التي أراها ضرورية هي أنني لم أستطع أن اميز في مقال الأستاذ النوع الذي يندرج فيه، فلا هو بمقال تحليلي ولا هو كرونولوجيا تاريخية للأحداث الدينية.
إغفال الصلة الوثيقة ما بين الاعتقاد الديني والوضع الاجتماعي للمؤمن كأنما الدين مجال خاص والشأن الاجتماعي للمؤمن في واد آخر.
المقال فيه تطاول على الأديان لأنه يتناولها تناولا سطحيا ويصدر الأحكام دون مراعاة للأسباب الداخلية.
يلفق المقال الأحكام ويصدرها تارة ناعتا بالتوحش وتارة بالهمجية وهي عبارة قدحية أكثر مما هي وصفية.
المعلومات التاريخية التي يستند عليها المقال غير دقيقة وتحتاج إلى تمحيص، وهي مبتورة من سياقها العام.
هذه الملاحظات وغيرها هي ما أثارني في كتابة رد مقتضب عليه في محاولة لإثارة النقاش ولتصحيح بعض من المغالطات التي سقط فيها صاحب المقال.
بدءا بالعنوان "ماذا فعل بنا الدين؟" كيف يمكن لهذا الفكر أن يفعل في إشارة إلى تبرئة حامله من كل المصائب والمحن؟؟ فبدلا من هذا العنوان أرى ضرورة تغييره إلى "ماذا فعلنا بالدين؟".
لعبت بعض الكلمات مثل المحنة والضحية أدوارا غامضة في مقاربة الظاهرة الدينية في العالم ألإسلامي والباحث في مقاله هذا يجعل منا نحن ضحايا نعيش محنة كان المتسبب فيها هو الدين بالدرجة الأولى في تبرئة تامة لنا ولكل العوامل الأخرى وأهمها نحن. كيف يمكننا أن نتخلص من مسؤوليتنا فيما نعيشه ونلصقه بغيرنا، أن نلعب دور الضحية التي كان قدرها أن تعيش هذه المحنة؟؟؟
المحنة أو محنة الفقيه في التراث الثقافي الإسلامي ارتبطت بالعلاقة الملتبسة مابين رجل الدين (الفقيه) من جهة ورجل السياسة (الخليفة) من جهة آخرى ويحفظ التراث الإسلامي نماذج من ذلك مثل محنة الشافعي ومحنة ابن حنبل ومحنة ابن تيمية وغيرهم كثير. فقد كان رجل السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي في حاجة إلى شرعية دينية لإقامة حكمه مما جعله في صراع دائم مع رجال الدين، فالأمور الدنيوية وتسيير الشأن  يقوم في تعارض مع الفهم الديني للفقهاء. فمتطلبات السياسة غيرها الدينية، ولعل جذور الخلاف كامنة في جذور الظاهرة الدينية نفسها خاصة في الإسلام حيث كان الرسول نبيا وحاكما في الوقت نفسه، وحيث دب الخلاف مباشرة بعد اختفاءه حول السلطة السياسية والخلافة الدينية، وانتصر المسلمون للسياسة لا للدين. فحضور كل من أبي بكر وعمر إلى سقيفة بني ساعدة غير مجرى الأمور إذ لم يعد البث في الأمور الدينية والسياسية شأنا جماهيريا بل خاص بالخاصة من القوم.
يكشف الباحث التونسي مصطفى التواتي جوانب من هذا الأمر في مؤلفه : "التعبير الديني عن الصراع الاجتماعي في الإسلام نشب الخلاف منذ الأول حول شرعيتين تتجاذبان : الشرعية الدينية والشرعية السياسية، وانتصرت الشرعية السياسية في وضوح تام لا غبار عليه في حرب معاوية وعلي.
لا يمكننا عزل الدين عن محيطه وإلصاق التهم به كما ذهب إلى ذلك صاحب المقال، وبتعبير ماركسي ليس الدين إلا إنتاجا فكريا لبنية مادية اقتصادية اجتماعية، فهو بشكل ما تعبير عن هذه البنية، تعبير عن تأويل وفهم هذه البنية للظاهرة الدينية ودورها في الحياة المجتمعية. وقد يكون المرء مجانبا للصواب وهو يتحدث عن كون الدين السبب الاول والأساسي في نشوب الحروب على مر التاريخ، لقد كانت هناك أسباب أخرى اختفت أو تم إخفاءها وحجبها بهذا الغشاء لحشد الناس ودفعهم نحو الهلاك نظرا لما للدين من سطوة على نفوس المؤمنين.
يقول صاحب المقال "كان الدين حاضرا منذ نشأة الحضارة ألإنسانية وهذا قول ديني بالأساس وليس قولا يستند على البحث العلمي، فالدين ليس إلا مرحلة من مراحل الاعتقاد التي مر بها الإنسان فلا يمكن انكار دور الأساطير ولا دور السحر وغيرها من الاعتقادات السابقة عن الدين على نفس الإنسان على مر التاريخ هذه الاعتقادات التي لا تزال حاضرة وتمارس سطوتها على الإنسان المعاصر أيضا. ويضيف : " فقد كان احتياجا إنسانيا يعين على مصاعب الحياة ويجيب على أسئلتها المستحيلة" عذرا صديقي فقد يمثل الدين فعلا ما ذهبتم إليه احتياجا انسانيا لكن ليس بالمستوى الذي يعين على مصاعب الحياة وأسئلتها المستحيلة، فبالنظر إلى السابق عن الدين مت أفكار خاصة الأسطورة فهي أيضا حاولت أن تملئ هذا الدور في حياة الإنسان إلا أنها تراجعت كما تراجع الفكر الفلسفي لأن محاولة الإجابة عن كل الأسئلة ينتهي بالفشل حينما تظهر تخصصات فكرية جديدة تتخذ من هذه المواضيع المتعددة مجالات لاشتغالها. فالدين كما الأسطورة ليس من شأنهما الإجابة عن الحاجات العملية للإنسان بل الروحية بالدرجة الأولى لذلك تم تجاوزهما في هذا الشأن.
وكما سبق وذكرنا فلا يمكن أن نقول أن الدين كان وراء نشوب الحروب لا في المجتمعات القديمة (الحروب الصليبية – العثمانية- الحركات الاستعمارية...)  ولا في المجتمع الحديث اليوم، فلا غرابة أن يبدو صاحب المقال مجانبا للصواب وهو يرد كل مآسي ومصائب المجتمعات العربية والإسلامية إلى ما يسميه قدحيا "هذا الفيروس" وهو نعت غير علمي ولا تحليلي ولا أكثر من ذلك أخلاقي فسواء في حديثه عن ما سمي بعصر النهضة العربية ولا عن فشل أولى تجارب الدولة الوطنية في الوطن العربي ولا في فشل ما سمي بالربيع العربي فإن رأي صاحب المقال لا يحيد قيد أنملة عن الرأي "الدوغمائي" Dogme الذي يؤسس عليه قوله "مرة أخرى كان الفيروس يعمل بقوة".
هل يمكننا أن نحلل أوضاع مجتمعاتنا بهذا الشكل؟
هل يمكننا قراءة تاريخنا بهذا الابتذال؟
هل نكون موضوعيين ونحن نغفل كل جوانب الظاهرة الدينية ونحن نتحدث في هذا الموضوع؟



عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا