بعد طول التمعن والنظر في القاعدة المعمول بها بوعي او بدونه ” أن تكون معي و إلا فأنت عدوي”، أخترت أن أدون بعض الخواطر التي تخالجني مند برهة من الزمن،
احتفظت بها لنفسي وحان وقت تقاسمها حبا في بلدي وغيرة على أمتي.
حقيقة هذه القاعدة الخطيرة والتي باتت تنتشر بين بعض شرائح المجتمع، تزامنا مع كل حدث عام أكان سياسيا، أم رياضيا، أم فكريا … ، هي كونها كانت مبدأ عسكريا متعاملا به مند القدم ثم وصلت تجلياته في الوقت المعاصر على شكل الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي (رغم أن هذه القطبية قد اختفت).
وإذا ما عدنا الى زماننا الحاضر و نظر الواحد منا مثلا في حال إعلامنا العربي خاصة باعتباره الوسيلة والسيارة التي تحمل القاعدة السالفة الذكر بين أطياف المجتمع، فسيجده في مجمله خطاب تأمري وتعبوي (بغض النظر الى ماذا يعبأ أو ضد من يعبأ). في حين أن المطلوب في هذا الوقت بالضبط (التدافع السياسي) هو الخطاب التفسيري الذي يسعى بكل بساطة الى تفسير الواقع/الظاهرة من الداخل والخارج عبر التفكيك ثم التركيب ثم الفهم ومن تم اطلاق الحكم الموضوعي وليس الذاتي (بلغة السياسة: شخصنة المؤسسات الحزبية). وحينما أقول إطلاق الحكم فأنا أعني به الاحكام القيمية وليست الاحكام الوصفية (سأعود الى هذه الكلمة).
وإذا ما تدرجنا قليلا داخل مكونات مجتمعنا وسلطنا الضوء مثلا على هذا الحراك الذي يعرفه بلدنا وخاصة في المجال السياسي (الانتخابات) باعتباره أفضل مجال يمكن للمرء أن يشاهد بأم عينيه تمظهرات هذه القاعدة المدمرة. فلعل المتتبع أو دعنا نقولها بصراحة بل المشارك (بوعي أو بدون وعي) في تنزيل هذه القاعدة على أرض الواقع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (الفايس و يوتوب) فسيرى أن الاغلبية الساحقة مندفعة أو مدفوعة نحو دمغ وشن الحرب على ذلك الاخر (العدو السياسي) واطلاق الاحكام عوض مناقشة البرامج والخطط التنموية، وهذه هي اشكاليتنا في العالم العربي عامة و في بلدنا خاصة هي اننا ، كما قال الدكتور المسيري نندفع الى الحكم الاخلاقي – وهذا شيء هام ينسجم مع انسانيتنا – لكن قبل ان يصدر الحكم الاخلاقي لابد من فهم الاخر حسب منطقه وان يفهم دوافعه و لا يسقط دوافعه عليه وبعد كل هذا يصدر الحكم . انتهى كلامه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذه الضوابط او المراحل (المنهجية) معمول بها خلال التدافع السياسي أم فقط اطلاق العنان للأحكام الوصفية ؟؟
ان الخطير في الامر ليس هو جهل هذا أو ذاك الاخر أليات هذا المنهج في التعامل أو التدافع مع الاخر “السياسي”. بقدر ما نخاف من تبعيات الاندفاع السلبي في اطلاق الاحكام الاخلاقية أو السياسية أو الطبقية أو غيرها من الاحكام الوصفية في الاتجاهين معا، والتي لا يمكنها الا أن تسرع في تفتيت وتشتيت المجتمع الى مجموعات متنافرة (فيزيائيا) بدل الاصطفاف والاجتماع حول المصلحة العامة المشتركة تحت شعار “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”. وان من شأن هذا الاجتماع ان يوفر علينا تبديد الطاقات و الاموال وتسخيرها في عملية البناء التي تعود بالخير على الجميع. وكما قال الشاعر:
لا تحقرن الرأي وهو موافق *** حكم الصواب إذا أتى من ناقص.
ان الخطير في الامر ليس هو جهل هذا أو ذاك الاخر أليات هذا المنهج في التعامل أو التدافع مع الاخر “السياسي”. بقدر ما نخاف من تبعيات الاندفاع السلبي في اطلاق الاحكام الاخلاقية أو السياسية أو الطبقية أو غيرها من الاحكام الوصفية في الاتجاهين معا، والتي لا يمكنها الا أن تسرع في تفتيت وتشتيت المجتمع الى مجموعات متنافرة (فيزيائيا) بدل الاصطفاف والاجتماع حول المصلحة العامة المشتركة تحت شعار “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”. وان من شأن هذا الاجتماع ان يوفر علينا تبديد الطاقات و الاموال وتسخيرها في عملية البناء التي تعود بالخير على الجميع. وكما قال الشاعر:
لا تحقرن الرأي وهو موافق *** حكم الصواب إذا أتى من ناقص.
قد يقول قائل أن هذا التدافع شيء محمود ومرغوب فيه نظرا لمفعوله التصفيقي (décantation) و التفريزي (يعني يفرز الصالح من الطالح)، أقول له نعم ولكن ماهي حدود و نهاية هذا التدافع ؟ وهل طبيعة هذا التدافع “السياسي” بين القادة تفهم في حدودها و سياقها عند المتعاطفين من كلتا الطرفين؟ وهل أصلا نمتلك مقومات و أصول التدافع السياسي الذي يتجرد من الذاتية ويناقش البرامج والخطط؟
ان ما هو عليه وضعنا السياسي على المستوى القاعدي هو مجموعة من الاحكام الوصفية التي يطلقها القادة و يتبناها المناضلين والمتعاطفين بكل جاهزية ويقاتل بها وعليها، بدون أدنى عملية تحليل وتفسير ومن تم فهم واتباع أو تحفظ. فاصبح الواحد يسمع نفس النغمة والرنة بين جميع مكونات المجموعة الواحدة، رنة اقصائية لا يمكن لها أن تؤدي بنا الا الى القطيعة المطلقة تحت عنوان “الخط الاحمر” الذي لا يتصور معه أن يتم توافق و بناء بل الهدم أقرب وأسهل.
ان ما هو عليه وضعنا السياسي على المستوى القاعدي هو مجموعة من الاحكام الوصفية التي يطلقها القادة و يتبناها المناضلين والمتعاطفين بكل جاهزية ويقاتل بها وعليها، بدون أدنى عملية تحليل وتفسير ومن تم فهم واتباع أو تحفظ. فاصبح الواحد يسمع نفس النغمة والرنة بين جميع مكونات المجموعة الواحدة، رنة اقصائية لا يمكن لها أن تؤدي بنا الا الى القطيعة المطلقة تحت عنوان “الخط الاحمر” الذي لا يتصور معه أن يتم توافق و بناء بل الهدم أقرب وأسهل.
أليست هذه احدى أثار التدجين السياسي والنظرة النمطية (كيف ما كان لونها … طبقية ، أيدولوجية، سياسية…) الذي يفوت علينا نحن المجتمع فرص التقدم والرخاء. ولكن ربما هذا ما اريد لنا ان نكون عليه… اشباه سياسيين منعدمي الحس النقدي البناء والمتشبعين” بالموريدية” والاقصائية.
د. ياسين اعميرة
فاعل جمعوي
فاعل جمعوي