جرت الاستحقاقات الانتخابية في ظروف عرفت أشكالا من المد والجزر بين الأطراف المشاركة ،وانتهت بفوز العدالة والتنمية بالصفة التي يحمل ،أي حزب حاكما متبوعا
،وغير بعيد عنه حزب الأصالة والمعاصرة ،وبصرف النظر عن التصرف السياسي ،على مستوى الخطاب السياسي المروج له ،وأساسا الصادر عن العدالة والتنمية الذي تصرف كحزب غير مسؤول ،شكك في نتائج الانتخابات ومصداقيتها ،قبل إجراء عملية التصويت ،والحال أن رئيس الحكومة ،هو المسؤول عليها سياسيا. وباستحضار نسبة المشاركة والتي لم تتجاوز نسبة 43%،علما بأنها في جهات كثيرة كانت ضئيلة جدا ، يمكن القول إن هذه الاستحقاقات عبرت عن تحولات بارزة في المشهد السياسي برمته:
أولا: اندحار الأحزاب التقليدية إلى الخلف سواء تلك التي كانت تصنف في الصف الديموقراطي (الاستقلال-الاتحاد الاشتراكي.-التقدم والاشتراكية.) أم التي كانت توضع ضمن الأحزاب الإدارية ،في سياق تاريخي مغربي (الحركة الشعبية ، الأحرار، الاتحاد الدستوري)..وهو مؤشر على تحول 'دال' في المشهد السياسي المغربي .
ثانيا : بينت الانتخابات التشريعية الأخيرة أن الأغلبية الصامتة أو''الشعب الغاضب'' أو ما يمكن أسميه بالقوة الهادئة والخامدة، لم تقل كلمتها ، ونأت بنفسها عن الانتخابات وهي مكونة من الفئات الميسورة والمتوسطة التي نالت السوط من حكومة متعجرفة ، وتدرك جحيم القرارات الجائرة ، التي لم تشكل عامل اطمئنان لأغلبية فئات الشعب المغربي ،وهي الفئات التي منحت أصواتها للعدالة والتنمية في الانتخابات السابقة .
ثالثا : بدا واضحا أن الفئات التي تعيش على الهامش الاجتماعي والاقتصادي ، و تشكل نسبة هائلة من المجتمع ،هي التي تعبأت وراء حزب رئيس الحكومة ، هذا إلى جانب القاعدة الأيديولوجية المرتبطة تنظيميا وعاطفيا بالحزب ،وذلك لأن هذه الفئات الاجتماعية المقهورة لها انتظارات كبرى بحكم الشعارات التي رفعها رئيس الحكومة المتعلقة بالأرامل ،والفقراء والتعويضات المادية ،ما غدى المخيال الاجتماعي لديهم ،حول ما يمكن أن ينالوه من الحكومة القادمة . فأهم خلاصة ،التي ينبغي تأملها مليا ؛ أن الحزب الأول ربح المقاعد ،لكنه لم يحصل على قلوب أغلبية طبقات الشعب المغربي خارج إطار امتداده الطبيعي ، تجسد ذلك في نسبة المشاركة ،وعدم تجند الشعب المغربي بكثافة ،لكي يعبر عن ترجيحه و''ولائه'' للحكومة السابقة بسياساتها المثيرة للجدل، وتجديده الثقة فيها ؛ وهذا ما ظهر في الاحتفال بالفوز ، الذي لم يكن احتفالا شعبيا رامزا ،وإنما كان محصورا في ''القبيلة'' السياسية والأيديولوجية ،و بدورها خسرت المعارضة كثيرا من رهاناتها ؛ إذ لم تستطع تحريك الشعب الصامت ..واستدماجه في اللعبة السياسية واستمالته لقلب كفة التصويت ،وهي الخسارة المزدوجة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ، أي القاسم المشترك بينهما وهو هدف استراتيجي لم يتحقق و دلالته مهمة بالنسبة للحياة السياسية المغربية ،وما يمكن أن ينبثق منها من تحديات مطروحة على الدولة وكل المؤسسات . وإذا كانت الانتخابات المغربية ما زالت تشوبها الكثير من الممارسات المشينة على مستوى السلوك الانتخابي من قبل الفاعلين ووسط كل الأحزاب بدرجات متفاوتة ما يجعلها انتخابات غير نظيفة وغير متكافئة ،الشيء الذي يطرح تحديات على البناء الديموقراطي ؛فإنه مع ذلك يمكن أن نعتبر ان المغرب ربح شوطا جديدا حتى وإن لم يكن ''مثاليا '' في مجال الديموقراطية بشروطها المتعثرة والمعوقة ،التي تتطلب تغييرا في السلوك والممارسة والخطاب ،وتوفير آليات دستورية وقانونية جديدة ، لكنه أيضا خسر ما خسرته أحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة ، إنه النفور التام من هذه الانتخابات من قبل فئات عريضة من المجتمع ،وهذا ما رصدناه من خلال متابعتنا السوسيولوجية ،وهي الفئات العميقة الغائبة والمغيبة ،أو الرافضة لانتخابات بدون طعم وأيضا بلا أفق يمكن الرهان عليه ؛ وهنا يتشكل المغرب العميق .