رمزية العدس في الثقافة المغربية وثقافة بلدان شمال إفريقيا أنه طعام الفقراء، ولهذا تحفل به النكات والأخبار التي تربط دائما بين أكل العدس وبين الظروف المادية المزرية للأفراد والجماعات، ويبدو أن هذا الارتباط قديم جدا في شمال إفريقيا ، حيث يروي المؤرخون القدامى بأن طعام الفلاحين الفقراء في مصر الفرعونية قبل 5000 سنة كان هو "العدس والبصل".
وقد أصدر كاتب مغربي هو بهوش ياسين رواية أعطاها عنوان "أيام من عدس"، وذلك سنة 1983، وهي تحكي عن شخصيات تعيش البؤس والهشاشة اليومية. ومن الكتاب من اعتبر العدس "طعام المساجين"، والظرفاء من الفقراء الذين يريدون التخفيف عن أنفسهم من كثرة أكل العدس لا يفتئون يقولون إنه "غني بالحديد".
ولكن يبدو أن هذه البضاعة التي اقترنت بذكر الفقر قد بدأت تترقى في مدارج الامتيازات الاجتماعية لتصبح من المواد الممتنعة عن الفقراء، حيث بلغ سعرها كما تخبرنا السوق ووسائل الإعلام 30 درهما وهو سعر غير مسبوق.
طبعا كعادتها تتجاهل الحكومة أوضاع الناس، وهي تسير في اتجاه محاولة تطبيع المغاربة مع واقعهم المتردي على كل المستويات، حيث تعوض التدابير الحكيمة المطلوبة بالإكثار من "التواصل" مع الناس بالطريقة الشعبوية التي تجعل كل الخروقات والسلبيات أمورا عادية ينبغي قبولها لأنه لا يوجد خيار آخر، كما أن الأحزاب الخارجة لتوها من انتخابات بدون شرعية بسبب النسبة المتدنية جدا للمشاركين فيها، تتهافت على المناصب الحكومية ولا تأبه كثيرا بمعاناة الفقراء.
إن الزيادة في أسعار المواد الأساسية والبضائع الشعبية التي يستهلكها الفقراء هو من علامات الأزمة الاقتصادية الخانقة، هذه الأزمة المرشحة لأن تتفاقم في الشهور القادمة التي ستعرف بدايات ظهور نتائج الاختيارات الاقتصادية لحكومة بنكيران الأولى، والتي ما زالت لم تبن عن جميع مآسيها المنتظرة.
فالاستيلاء على 34 مليار درهم من صندوق المقاصة بدون رفع ميزانية الاستثمار الداخلي والتقليص من البطالة، ومع تزايد الديون الخارجية التي وصلت إلى معدل خطير وغير مسبوق على الإطلاق، يجعل المغرب على حافة الكارثة، حيث سيكون على المغاربة أن ينتظروا الأسوأ والذي سيتجلى في تراجعات كبيرة في كل الميادين.
ويستغرب بعض الملاحظين كيف يمكن أن تتردى أوضاع الناس بهذا الشكل بدون أن تكون لذلك آثار على السلم الاجتماعي، والجواب في عاملين اثنين:
ـ اعتماد الناس لأسلوب الاحتجاجات القطاعية التي تجعلهم فرقا ومجموعات منعزلة عن بعضها البعض، مما يؤدي في الغالب إلى قمعهم في الشارع العام وحرمانهم من حقهم في التظاهر والتعبير عن الغضب والرفض، حيث يكون ضغطهم على الحكومة ضعيفا وغير ذي مردودية.
ـ استغلال فقر الفقراء عبر تقديم المعونات في شكل فتات من الصدقات الموسمية، يقوم بذلك الحزب الأغلبي، كما تقوم به السلطة، فهما معا في نفس الوقت الذي يتحملان فيه مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الفقراء، يتسابقان على القرب منهم بالصدقات التي يوزعانها عليهم سواء من المال العام أو من التمويلات الخليجية المشبوهة. وهما بهذا يمارسان نفس الدور تقريبا: إفقار الفقير ثم التصدق عليه لإسكات صوته والحفاظ عليه تحت الوصاية.
وإلى أن تشرع الحكومة في أكل العدس الذي أصبح أكلة الطبقة المحظوظة بالثمن الذي أصبح عليه، سيكون على الفقراء أن يبحثوا لهم عن أكلة شعبية أخرى يسدّون بها الرمق، ويحافظوا على البقاء في انتظار الفرج.