كَفَرَ
من يُجهِر بقراءة البخاري:
هذا أهم مما رسخ في ذهني ،مع كامل الأسف،
وأنا أتتبع "قمشيات" هذه الأيام الحُبلى سياسيا ؛حيث يُثَبِّت الفكرُ
الاسلاموي الحاكم – وليس الحزب فقط – انتصاره اجتماعيا.
فعلا تمخضت الصناديق ،يوم السابع من أكتوبر
،فولدت نصرا ساحقا ،ليس للحزب الحاكم،أو الحزب الذي يطاوله،جاهدا ،كما تُقرر بعض
التحليلات السطحية ،وبعض الأفراح الصبيانية التي تُذَكِّر برقصات تثبيت الانقلابات الإفريقية؛وإنما لسكان جزيرة
الحِيطَة ، التوجس، الخوف،الأشباح ،وما شئتم من المسميات التي لا يمكن ألاَّ تستفز
كلَّ غيور على هذا الوطن،علا شأنه أم نزل.
إن
الخوف، المُبَرر، على الوطن ،مُقدم على الطمأنينة الخادعة.
كيف لثلث المواطنين -
فقط - المُؤهلين للتسجيل و للتصويت،أن
يُقرر،سياسيا ومؤسسيا، في مصير دولتنا الصاعدة،نَمرا إفريقيا، يستجمع قواه ليثب إلى
شاطئ الحداثة والديمقراطية،وهو على بعد وثبة منه؟
لماذا ينكص الثلثان والأمر يتعلق بالمدخل –المدخل
فقط – لبداية البناء ؟ فكيف سيكون الوضع ،غدا، حينما يحمل طبقال الشمس على كتفيه
؟
هنا النتيجة التي يجب أن يتوقف عندها الجميع.
هنا جزيرتنا ،أو صحراؤنا الثانية التي يجب
أن نسترجعها ،باستفتاء أو بغيره ؛ولا يمكن أن نتركها تقرر مصيرها ، هكذا، بعيدا عن
خرائطنا السياسية،وليس الانتخابية فقط.
إن كل محلل حكيم وموضوعي ومنصف لا يمكن ألا
يلحظ الإرهاق الكبير للمؤسسة الملكية؛الذي
يساهم فيه الجميع ؛بدءا من أحزاب سياسية لا تتهافت إلا على ما فيه خرابها ،في ذهن
المواطن ؛ومرورا بمؤسسات إدارية مُدَجِّنة أكثر مما هي خدومة،ووصولا حتى إلى
المواطن الذي استُضعف حتى لم يعد يرى أملا إلا في ملك البلاد،يلقي بنفسه أمام
موكبه.
"ان تكن شابت الذوائب" فمن كل هذا ؛ومن رابعة الأثافي التي تشكلها
الجزيرة التي أصبحنا عليها يوم السابع.
هذا ما بدأ الفكر الاسلاموي الحاكم يشتغل من أجله ،منذ الدقائق الأولى
للإعلان عن النتائج. حتى وهو يرقص ،لم يغب
عن ذهنه أن الصفيح ساخن ؛لأن مأتم الأحزاب
القديمة كبير ،ولأن سكان جزيرة الصمت والخوف لا يرقصون..
من أين يبدأ،إن لم يكن من التدين الفطري
للمغاربة؛الذي حاز الحزب الحاكم تسييسه
ريعا؛ذات غفلة؟
من أين يبدأ – في اشتغاله السياسي وليس
الديني -إن لم يكن من الجوهرة التي تُحلي هذا التدين ،والتي تتمثل في حب المغاربة
للرسول صلى الله عليه وسلم؟
ألم يُجرَّب هذا السلاح في اجتثاث هيئة تحرير
كاملة، لجريدة فرنسية ،صبيانية في
خربشاتها التي لا تضحك ولا تبكي أحدا؟
فكيف تُفَوت الفرصة ُ،وبيننا من تجرأ ،منذ
مدة ،على الجهر بقراءة بعض غرائب البخاري؟
من هنا المدخل إلى القمشيات:
وأستسمح الأستاذ عبد الكريم القمش، إذ نسبت
إليه ما يَنتسب ،في الواقع، إلى الفكر الظلامي الجامد ،الذي اختار – سياسة ليس إلا
- أن يكون هكذا؛ لأن كل نصوصنا الشرعية –العمدة في ديننا – تُحرض على الاجتهاد
والبحث.
بل حتى الخطأ ، في هذا المسعى النبيل ،تضع له
أجرا؛ولن أستشهد ،حتى لا أثقل بما شاعت فيه الرواية ؛لكن دون الدراية والتطبيق ،مع
الأسف.
هذا في ما يتعلق بالبحث ،واستفراغ الجهد ؛أما
حينما يتعلق الأمر فقط بقراءة نص شرعي حديثي- بصوت مسموع - يعلم الجميع وروده حيث
يُقرأ ، ؛فما أعتقد أن هناك مانعا يحول دون هذا .
لم يدَّع الأستاذ القمش فقها ،ولا اجتهادا
فيه،ولا خرج بفتوى ؛فهو أستاذ انجليزية،وكاتب رأي . أعرفه ،كما يعرفني،بهذه الصفة فقط
؛ولم يسبق أن التقيت به عِيانا ؛ حتى
رأيته مُطارَدا ،ومُهاجَما بوحشية ،وكأنه بعير أجرب ،أو " حلوف زواغة"
الذي هاجم حاضرة فاس أخيرا ؛وقتله بعض المواطنين المرعوبين – بلا سبب حقيقي – شر
قتلة.(ذكرني المشهد بقطعان خنازير تمر بي وأمر بها ،مرور الكرام،في خرجات القنص).
وقف الأستاذ القمش ،وهو أبعد ما يكون عن
التخصص ،عند أحاديث – لا أحد يعلم يقينا لمن هي،رغم كل مقولات الجرح والتعديل –
أثارت استغرابه ،بصفته مسلما – ولا حق لأحد أن يكفره – وللرسول صلى الله عليه وسلم ،في مخياله،الصورة
المثال التي تزكيها شهادة إلهية جليلة "وانك لعلى خلق عظيم" س القلم :4 .
لم يبحث في صحتها ،من أوجه البحث المعروفة لذوي
الاختصاص ،واكتفى بشهادة من يقول بأن كتاب البخاري أصح كتاب بعد القرآن
الكريم.(الحبة والبارود من دار المخزن) كما يقال.
ذكرتني قراءة الأستاذ القمش بشغب شبابي كنا نمارسه، استفزازا لأساتذتنا
العلماء بجامعة القرويين :كنا نواجههم بقمشيات ،نخمشها خمشا من الصحاح وغيرها ،فلا
نصيب منهم (العلماء)خلية عصبية واحدة ؛عدا
الضاحكة والمضحكة؟
هيت لكم ،وما ذا عندكم أكثر؟ نضحك ويضحكون ،وما مـُس جلال النبي بشيء،لأننا
أُشْرِبْنا ،من العلماء إياهم ،أنه عال وسامق.
ولقد أفضتُ سابقا في موضوع منشور،يؤكد بالأدلة النصية أن المصطفى صلى الله عليه وسلم
؛حتى وان عبس،عرضا، في وجه الأعمى ،لم يُر إلا باسما ؛وكثيرا ما ضحك وتندر.
كم استغربت أن أرى شيوخا وعلماء وخطباء
يغضبون و يستنفرون الناس ؛ يضربون الأوتاد لتثبيت خيام الفتنة في المغرب ؛لا لخطب
جلل نزل،وإنما لكون كاتب رأي انبهر ببعض البخاري فقرأه جهرا؛وكأنه
"كولومبوس" يعلن اكتشاف القارة الأميريكية.
ومن المفارقات أن يكون قرأه ،ليس تشهيرا- أو
حتى استفزازا كما كانت تفعل بنا شيطنتنا - وإنما دفاعا عن "سيد الكونين
والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم".
ويُدْلَى، هجوما، بالملياري مسلم التي آذاها
القمش،في خُلُق نبيها ؛والعددُ حجة على الفكر الاسلاموي ؛لأن كل هذا الانتشار حصل
في وجود نصوص البخاري ؛سواء كانت العصور قرأتها سرا أم جهرا. ولن تخدش التزكية
القرآنية لخلق الرسول ،مهما تباينت قراءات العصور المقبلة لنصوص اياها.
أَوَهانت السيرةُ النبوية إلى هذا الحد، حتى
نتوهم كل صيحة عليها؛خرابا للملة كلها ؟
فكيف إذا كانت الصيحة لها ،من قارئ أراد أن
يكشف للناس هِنات – وهي خلافية على كل حال - وردت في الصحاح؟
أيُجيز بعض المحسوبين على العلم الشرعي
لأنفسهم الاجتهاد التحايلي ،المُخَذِّل عن المعنى البياني الصريح للنص ،ويمنعون
غيرهم من مجرد الانبهار بما ظنه كشفا ،وما هو كذلك؟
لقد أمِرنا بترتيل القرآن ترتيلا ،فكيف
تطعنون في قراءة جهرية لبعض البخاري وغيره؟
وما رأيكم في كون كل النصوص الحديثية التي
قاربها الأستاذ القمش ،قُتلت تعديلا وتجريحا وتحليلا ،في كل العصور ؛دون أن يجد
العلماء مدعاة لتكفير بعضهم البعض ،في هذه.
حتى ناقل الكفر لا يرون فيه كافرا ؛فكيف
بمجرد قارئ قاده اندهاشه إلى اشراك القراء في كشوفاته؟
لعل مهاجمي " حلوف زواغة" –
وأستسمح الأستاذ القمش - تناسوا كيف تعامل الرسول ،وكبار الصحابة ؛ثم القرآن
الكريم في مابعد( سورة النور) مع فتنة
الافك؛وهي الفتنة التي أصابت الرسول صلى الله عليه وسلم في زوجه عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها؛وقبل هذا بنت أبي بكر ؛وبنت العصبية التَّيْمية القُرشية.
رغم هول الفتنة لم تُستل سيوف ،ولم تُهدر
دماء ،حتى انبلج الحق قرآنا مُبرئا ومُنصفا،ودرسا في الحكمة والتروي،وحسن الظن
بالمسلمين.
فكيف يُضطهد القمش بجريرة إشهار البخاري
،وليس حتى التشهير به؟
وما رأيكم أن يكون أبلغ في دفع الشباب إلى
الإقبال على السيرة؛من مقالات غاضبة تُشعر القراء
أن هناك زوايا ظل يجب دائما تفاديها؟
لم
تعد الصحاح وغيرها حكرا على خزانات منزوية وكئيبة يفاخر بها أصحابها ،نكاية في
فقراء الطلبة،كما كان يحصل معنا في القرويين؛بل غدت رهن إشارة محركات البحث
،أبوابا مفتوحة للجميع ؛مهما يكن الدين ،ومهما تكن النوايا.
ورحم الله أستاذنا العالم الزروالي الذي فاخرنا ،يوما،بكون الوالد
في بني زروال ،باع البقرة ليشتري لابنيه كتاب الشيخ خليل.
وكم انتظرت شخصيا حوالة الوالد الهزيلة،
لأشتري كتاب التحفة في الفقه،وثمنه وقتها عشرة دراهم.
مضى كل هذا ،فاتركوا رجاء، النوافذ مفتوحة
ليلج الهواء والنور؛ولا تضيقواما وسعه غوغل وخِلانه.
لاتتركوا لهم خراج الجزيرة
ريعا آخر:
سيقارب الفكر ألظلامي (لكن المربح انتخابيا)
مداخل عدة لاستدراج ساكنة جزيرة الخوف إلى صناديق الاقتراع مستقبلا.
هذا مهم جدا لو كان العمل للوطن ؛وليس
للغلبة السياسية فقط،بمسميات الغيرة على
الدين .
إن التهلكة ، كل التهلكة- ونحن نراها في
جوارنا المشتعل- في ركوب الدين من أجل السياسة.
اتركوا تدين المغاربة " ف
التِّقار" وشأنكم بما دونه من سياسة. إن الدين حمال أوجه ،ومن حكم به لا يمضي
عليه حين من الدهر حتى يجد من يُكفره. ومن هنا أم قشعم التي تلتهم الشرق التهاما.
إن المفاخرة بنصر اليوم، مفاخرة بالانتصار
على الوطن والوطنية ؛وهذه الأحزاب التاريخية، في ساحاتكم الدينية، مثخنة جراحا.
تشربون لبنا بقهوة ،وتشرب هي لبنا بالتراب.
لم تغلبوا وإنما الدين غلب. وما رميتم إذ رميتم لكن الدين رمى.
وكل من يرى في هذا عنصر قوة ،ومدعاة للسعادة،
فهو من الأغرار ،إن لم أقل من الأشرار.
دعوا الفتوحات الدينية جانبا ،وحدثونا عن
عثراتنا الاقتصادية ،التعليمية،الصحية،والإدارية..
دعونا نستعيد ،جميعا ويدا في يد صحراءنا الوطنيىة الثانية ،عدلا وتنمية ،معارف
وحريات ..وبعد هذا ثقوا ألا تجدوا فيها مُخلَّفا ،أومتخلفا عن بناء الوطن .
ولن يصدق عاقل فتوحاتكم القمشية، فكفوا عن
الرجل ،وكفوا عن قتل الرأي ،فما بالخبز ،وحده، تحيا الشعوب والأوطان.
Sidizekri.blogvie.com



