-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ضَّحِكٌ مُـرٌّ أحمد بنميمون

ما أغرب ما تحمله إليه الألوان والظلال ، وهذه السحب العابرة والأخرى الثابتة إلى حين،ثم إن ما تحمله هذه الكلمات التي تمر بها عيناه مرور الكرام أحياناً، أو التي
تتوقفان أمامها بعض الوقت مدهشٌ جدأً فوق كل خيال، مثل هذا الخبر عن رجل كان يملك كل شيء، ومع ذلك لم يكن سعيداً ، بل كان كثير الأرق، الأمر الذي دفع قاريء هذه الأوراق إلى أن يتبسم ضاحكاً ضحكاً مراً ، وهو يعترف لنفسه ولكل من يعلم ما يخفيه صدره، أنه لا يملك شيئاً رغم بلوغه أرذل العمر، ومع ذلك لم يمتنع عن أن يكون سعيداً، لكنه توقف بعض الوقت ليسأل ذاته عن "كل شيء" هذا الذي كان لدى ذلك الرجل الذي انتهى إلى ما انتهى إليه كل الناس ، أجل إنتهى ميتاً في تابوت أنيق، ودُفِنَ كما يدفن أي ميت، ولو بدون صندوق.
ـ كل شيء.. كل شيء ...لكن ما هو هذا الـ "كل شيء " الذي لا أملكه أنا؟ أو لا أستطيع حتى مجرد الحلم بامتلاكه؟
.ـ.
هكذا وجد نفسه يهمس لنفسه متسائلاً، لكن ما إن رفع عينيه عن الصحيفة التي كانت كلماتها تحدثه عن الرجل مالك كل شيء، حتى رأى على الطريق الصاعدة أربع حسان مختلفات أعماراً، وقاماتٍ وألبسة ، ساحرات الخطو ، يمشين بنفس السرعة لا تتأخر إحداهن عن إيقاع جماعي كأنهن في رقصة دربن عليها و يؤدينها بإتقان،، كان يراهن جميعاً من حجرته حيث يجلس ، ففكر أنهن بالفعل يقدمن له باختصار صورة عن كل شيء مما لا يملك الآن، وهن بالفعل أيضاً يمثلن صورة كل شيء مما يحلم أن يمتلكه ،فيحوزهن معاشراً إياهنَّ مثنى وثلاث ورباع.فأسكرته حلاوة تصَوُّر أن الجمع بينهن في استيهام ذكوري غير بريء ، في تجربة يكون فيها ديكاً ، غير مخصي بالطبع، يتهادى بين سربِهِنَّ الجميل.
.ـ.
وبينا كان مستغرقاً في ما ملأ عليه أعماق قلبَّه ومجامع نفسه، وهو يرى حلمه يسير على أرض الواقع ، على مرمى حجر منه، كان " كل شيء " ينأى عنه، ويبلغ آخر الطريق ، ليختفي لحظة ، ثم يظهر وقد شارف الطريق الكبير ، ينتظربشخوصه الأربع، العبور إلى جانب الطريق الآخر ، عبرت إولاهن، وتأخرت الثلاث ، كان يرى الريح تلاعب فولار واحدة منهن، وهي تلتفت، يساراً ويميناً، لترى السيارات المختلفة الآحجام تعبر في سرعات خاطفة ، والآن وقد تم عبور " كل شيء" بكامل أعضائه ...
ذُهِلَ مفتونا عن رؤية، يفصل فيها النظر إلى كامل أعضاء أجسادهنَّ، والحقيقة أنه أَخَذَ الأربع كـ" كل شيء" واحد غير قابل للتجزئة، ليكونَّ ذات ذلك الــ" كل شيء" الذي لو امتلكه لتم له عن حق، الوصول إلى رغبته مما لن يتمنى بعدها امتلاك أي شيءٍ، لو تمَّت له إمكانية تحقيقها بالفعل إليه..
ازداد ضحكه مرارة وقد صُدِمَتْ عيناه بإعلان عن بيع وشراء " كل شيء" في مدينة ملتقى البحرين هذه الأيام، فعادت إليه ذكريات عهد توارى وقد كان بها شاباً غريراً، و طوال ساعات النهار، على أرصفة شوارعها الفسيحة ، أو التي كانت تزداد ضيقاً بازدحام العابرين من الجنسين وسيارات شتى مختلف ألوانها وأنواعها، كان يتعرض إلى ما يمر أمامه من " كل شيء" في مشاهد صادمة لجوعه وعطشه، من مختلف الجنسيات، من أندلسيات فاتنات،وفرنسيات متبرجات رعم أن بنات جلدته كنّ ما زلن وراء ألف حجاب وحجاب...ألا لعنة الله على جلاليب تلك الأيام فقد كانت تخفي منهن "كل شيء، كل شيء" فلم يكن يرى منهن إلا أشباح كائنات، و ومضات سراب ، وكان الحل في يده دائماً، ولولا ذلك لقتلته رعبات مراهقته الجياشة الفائضة التي لم تكن تهدأ عنه ،إلا بلجوئه إلى الحل المذكور، مكرهٌ أخاك لا طهرانياً ولا ناسكا، ولطالما نظر إلى شيئه الخاص ليستنتج أنه إنما وجد كآلة تعذيب وليس وسيلة متعة ، ولم يكن يفضل أن يلجأ إلى الحل المثليكما كان يرى لدى بعض رفاقه الذين كتن يدهشه ما كانوا يتبادلونه من ممارسات حتى في حضوره، عاش رغم أنه كتن في مدينة مجمع البخرينحيث يباع "كل شيء" لكنه كان كارهاًلشراء ما كان يغتبره حباً، ولولا أن كثيراً مما كان حوله كان يجفل شيئه ينتفض دون إرادة منه،لفضل أن يتسامى إلى آفاق أخرى، على أن ينزل إلى النظر إلى نحت حيث شيؤه بين أعضاء سفلى كان يتمنى ألا تكون, إلى أن تحول نظره من بعد ، أيام انتقل إلى مدينته الجامعيةحيث ذاق عسيلة أول امرأة كان يناديها كلما قابلها "مراتي" تحبباً لا سخرية.
.ـ.
الطريق الصاعدة الآن خالية ، إلا من سيارة نقل لحوم، قد ركنها صاحبها ، وقد التحق ببيته للغداء، فشمس ظهيرة هذا اليوم الخريفي ، تظهر أحيانا من خلف السحب ، فتضيء الطريق كشمس هاجرة صيفية، ثم تختفي فتضعف إنارة الطريق ، كما لو على خشبة مسرح، الضوءُ فيه مؤثر فني باعث على كل ما يوحي بالحزن أو التعبير عن كل شعور هاديء وإن كان عير بهيج ، فانسحاب الناس الآن من طرقات وشوارع دنيا لا يدل على خير، كما دلت على ذلك ما أيفر عنه آخر الأحداث، يبدو كما لو ان هذا العالم لم يعد يهمه شيء، أو أن أصحاب الحال فيه امتلكوا "كل شيء" وانفردوا به تاركين له ولأمثاله أن يتأملوا الوجود، من خلال ما يقدر على تقديمه له ولغيره، فراغ فضاءات وطرق خاليتين من أي شيء. ، و ليس له الآن ، في الظاهرعلى الأقل، من قدرة على اجتراح أي شيء ، بعد أن اختفى من مجال رؤيته " كل شيء" الذي سحره قبل قليل.
.ـ.
سيتحرك الآن مكتفياً بما بين يديهِ ، تحت إلحاح مثانة تستعجله ليفرغها ساعة بعد ساعة، وهو يعَزِّي نفسه عن اللحاق بـ" كل شيء"، بأكثر من حجة.
ثم وهو يفرغ من شأنه في الحمام، راعته صورته في المرآة ، حينما شهد كيف أنه مع علة الكِبر، ضيَّع " كلَّ شيء" ليعود إلى جلسته يائساً ، لكن مستبطئاً شمس حياته أن تسرع في الأفول، فما يزال لديه شيء لا يريد أن يغيب عن هذا الوجود قبل إتمامه، لا يدري أين؟
.ـ.
الحقيقة أن غياب " كل شيء" عن ناظريه أمرٌ مؤقَّتٌّ، فهو سيسعد برؤيته لدى أي منعطف يصل إليه ،لوخرج إلى الحياة ، أو وضع قدميه على الطريق العام، أو لدى أيِّ شارع سيكتب له أن يمر به، بل إنه يمكن أن يحظى من رباعيته اللذيذة بما لم يتمكن من بلوغه، حين رآه يمضي على مرمى حجر من مجلسه فقد يتمكن عندها، من رؤية العيون الناعسة والصدورالناهدة وتأمل كامل القوام الفاتن عن كثب، ، بل وملاحظة كل السحر مباشرة. فلا تتعجلي يا نفسُ، ولا تيأس يا قلبي من " كل شيء" لائذاً بتقوى زائفة، أو أو متظاهراً بغض بصر مدعيًا مروءة عن عجز، كمثل من قال : :إن العنقود العالي حصرم فجن وانصرف.
"ـ فإذا أحبّ الله أن يغنيني ، فقد يثقب الأسقف ويعطيني، حتى قبل أن يرتد إليّ طرفي.وكم أغنتْ الصدفةُ كثيرين" .
.ـ.
سمع طرقاً متواصلاً على الباب، أيقظه من شبه غفوة، وقبل أن يمضي إلى فتحه، كانت عيناه تمسحان المنظر العام الذي كان قد أصبح قاعاً صفصفأً، حيث لا طير يطير ، ولا بشر يسير.
.ـ.
أحس أن في قلبه جوعاً، رغم أنه لا رغبة له في أكل أي شيء إلا أن يكون " كل شيء"، هذا الذي قدعبر. قهقه في نفسه، وهو يرى أن الطارق ممن لا ينبغي له أن يعلم شيئاً مما كان فيه.
ضحك بمرارة فقد كان ممكناً أن يكون لحياته مذاق آخر ، لو أنه كُتِبَ له ، تحت أي ظرف، أن تأتيه فرصة لاحتضان" كل شيء".

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا