هل من حاجة ملحة
لتناول موضوع صورة النبي ضمن الكتابات الاستشراقية في الوقت الراهن؟ سؤال طرحناه على
الباحث في الشأن الديني أحمد بابانا العلوي على هامش
إصدار كتابه الجديد " الرسول
في مرآة الفكر الاستشراقي"، الذي يقدم فيه قراءة لما كتبه بعض أعلام الاستشراق
البارزين في السيرة النبوية.
العلوي أشار إلى
أن هناك حاجة « لتناول ما تتعرض له صورة النبي من تصحيف وتزييف وتشويه من بعض الكتاب
الغربيين عن قصد أو جهل.. لذلك هذا أمر ضروري من الناحية العلمية والأخلاقية ..ثم إن
هذا التشويه يمس الرأسمال الرمزي للمسلمين في المعمور باعتبار النبي النموذج والمثل
القيمي والقدوة التي يستشرفون بها الرؤية المستقبلية لحياة كريمة، وبالتالي مادامت
الكتابات الاستشراقية مليئة بصور نمطية للتصور الإعتقادي للمسلمين فلا بد من تصحيحها
لكي تعتدل الصورة ويصبح الجوار ممكنا ومتوازنا».
من جهة أخرى اعتبر
الباحث في الفكر الإسلامي أن الإستشراق في المجمل تعد مزيجا من محصلة تراكمات ثقافية
ومعرفية وأداة من أدوات السياسة الاستعمارية الأوروبية.. « ومن ثم وجب الاهتمام ببنية
النسق المعرفي للاستشراق حتى نتمكن من فهم وإدراك قواعد اشتغاله وما يتوخاه من دراسة
نصوص التراث الاسلامي .. لأن الاهتمام بالإسلام ونبيه يعد علامة يقيس عليها موقف الإسلام
من العالم وموقف العالم من الإسلام بحيث لاتزال دراسة الإسلام غرضا من أغراض الدول
الكبرى .. ومن هنا علينا أن نعرف ما يقال عن الإسلام بقيمته وقيمة من يصدر عنه، ومبلغ
الصدق والفهم فيما يصفونه به سواء عن هوى وجهالة أو عن معرفة ودراية وحسن نية».
الكتاب تضمن ستة
محاور أساسية شملت صورة النبي في الكتابات الاستشراقية، والرسول في مناهج الفكر الاستشراقي،
بالإضافة إلى مناهج البحث في السيرة عند العلماء والمفكرين، والسيرة النبوية في الخطاب
الاستشراقي، ثم مفهوم النبوة والتاريخ الذي اعتبره الباحث قضية مهمة لأنها « تثير لبسا
لدى بعض الذين يتبنون المناهج المعاصرة، خاصة العقلانية .. لذلك ما أراه أن النبوة
هي تمثلات لقيم تربط الإنسان بالكون وبالتالي تجعل الإنسان فاعلا في التاريخ، فإذا
أسقطت هذه الفاعلية القيمية فإنك سوف تجد نفسك أمام حركة للتاريخ بدون معنى أزلي، فالإنسان
فاعل كوني وهذه الحقيقة لا تدرك إلا من خلال الدور النبوي في التاريخ ».
أشار العلوي في مقدمة
كتابه أن الغرض من بحثه إبراز« ما وقع فيه المستشرقون من تهافت وتأويلات مغرضة ومجانبة
لروح العلم وبعيدة عن سمت وأخلاق العلماء، الأمر الذي يطرح السؤال حول معيارية المعرفة
الاستشراقية وبواعثها وصدقية ما تقدمه من دراسة للحقائق والمعاني التي تضمنتها وقائع
السيرة النبوية .. فالقراءة التي قمت بها تدرج ضمن وقفات للفكر والنظر متسائلة ومستكشفة
لمضامين المناهج الغربية التي أخضعت نصوص التراث الإسلامي للفذلكة والتشريح بهدف إعادة
صياغته صياغة تلائم الصورة النمطية التي تخدم منطق الحضارة الغربية وفلسفتها».
هذا التدقيق والاستنتاجات
التي تتسم بنوع من الصلابة، قد تدفع القارئ نحو التساؤل إذا ما كان الباحث من أنصار
الاتجاه المشكك في كل تناول غربي لسيرة النبي خاصة والتاريخ الإسلامي عموما؟ .. « لا
نحن لا نشكك في أحد ولا نحجر على الغربيين في أن يتناولوا قضايا الإسلام بمناهجهم وطرقهم
المعرفية وهي مناهج جد متقدمة في العلوم الإنسانية ولكن من حقنا أن نناقشهم وننقد ما
توصلوا إليه من استنتاجات وتأويلات حول تاريخنا ومجتمعاتنا وما أصدره بعضهم من أحكام
مجحفة وظالمة في حق إسهام المسلمين في الحضارة الإنسانية ».
جدير بالذكر أن الباحث
سبق له أن أصدر كتابين، الأول سنة 2008 بعنوان "فصول في الفكر والسياسة والاجتماع"
والثاني سنة 2010 بعنوان " علال الفاسي المفكر السلفي المجدد".