"جاء هذا الكتاب
بمنهج صُمم بطريقة متسلسلة، منطقية ودقيقة. كل إضاءة هي حلقة من سلسلة متراصة ومترابطة
ترابطا عضويا، وكل منها تسلط قراءة تحليلية".
الضوء على محور من المحاور التي تصب جميعها في إضاءة
الموضوع الرئيس و هو وضعية اللغة العربية من الماضي إلى الحاضر و كيف ستكون عليه مستقبلا.
فمن أجل توسيع و تعميق و إغناء النقاش/الحوار حول اللغة العربية يدرج الكاتب محاور
دالة تعالج "جملة من القضايا التاريخية و العلمية و التربوية في حياة لغة الضاد.
منها ما يتصل بوضعية اللغة العربية الراهنة و منها ما يلامس الصناعة المعجمية العربية،
و المصطلحات العلمية، و قضايا التعريب و رهاناته بالتعليم العالي في البلاد العربية
ومواضيع أخرى تتصل بالصراع القائم بين الفصحى والعامية... والدعوات العلمية التي تسعى
إلى حماية لغة الضاد من الاندثار في زمن التكنولوجيا و العولمة."
بالإضافة إلى هذا يجمع هذا الكتاب بين
دفتيه ذخيرة من المعلومات الثمينة انتقاها الكاتب من مصادر متنوعة و عديدة تراكمت لديه
عبر عقود طويلة من البحث و التنقيب و من خلال تتبعه للمؤتمرات و الندوات و المناظرات
التي تداولت موضوع اللغة العربية، و ذلك بعين الصحفي اليقظ و المثقف الحصيف. انتقاء
صارم و مركز يهدف إلى إبلاغ المعلومة في أسلوب
شفاف و عميق في نفس الوقت. من هنا عمد الكاتب محمد أديب السلاوي من خلال تعبيره ليبرهن
على أن اللغة العربية سهلة و عميقة إن أرادها أصحابها أن تكون كذلك. كما يعتمد المؤلف
الأسلوب المباشر و الهادف، مستفيدا من خبرته الطويلة في مجال الصحافة، و أيضا قصد تبيان
أن هذه اللغة مرنة، طيعة و في متناول الجميع .
كيف يقارب المؤلف أزمة اللغة العربية
في هذا العمل ؟
يمكن اختزال الجواب فيما يلي :
• التريث الرصين و
التأمل العميق
• الصراحة و الوضوح
• التحليل الموضوعي
المعتمد على عرض الرأي و الرأي الآخر
• بُعد النظر و استشراف
مستقبل اللغة العربية و اقتراح الحلول للخروج من الأزمة.
يهيئ الكاتب قارئه للحوار/النقاش حول
قضية حيوية و مصيرية، و هي الأزمة التي تمر بها اللغة العربية في الوقت الراهن، يعرض
تاريخ هذه اللغة و أيام ازدهارها و التحديات التي واجهتها و قدراتها الهائلة التي مكنتها
من الخروج منتصرة و إسهاماتها في التراث العالمي و مسايرتها للتطور الإنساني عبر العصور.
من هذه المعطيات وجب التركيز على مبدأين أساسيين، وهما ما أجمع عليه العلماء و الخبراء
من كل فئة:
1. "اللغة كائن حي يطرأ
عليها ما يطرأ على كل الكائنات الأخرى، من ولادة و رعاية إلى قوة و ضعف. وهي أيضا مثلها
مثل أي كائن اجتماعي، يتغذى بالمجتمع و حركيته و يقظته و المجتمع لا يقوم و يزدهر و
يتقدم إلا بها."
2. "اللغة، أية لغة،
سواء كانت حية أم متراجعة، علمية أم شعرية، تبقى من أخص خصائص الأمم و الشعوب، تبقى
غذاء عقلها وروحها وعاطفتها، ركيزة من ركائزها الأساسية المرتبطة بأبنيتها و هويتها
و تاريخها و حضارتها."
و بناء على المعطيات اللازمة المتعلقة باللغة العربية،
و خصوصا على المبدأين اللذين يوجهان النقاش/الحوار يفسح الكاتب المجال أمام مختلف الآراء
والمواقف.
يتبنى الكاتب موقفا علميا و منطقيا، حيث
ينصف جميع الأطراف في هذا النقاش. و يتجلى ذلك في مقابلة الرأي بالرأي المخالف، لا
يصدر حكمه إلا بعد الإنصات إلى الفئتين معا، يقارع الحجة بالحجة. إن الذين ينادون بتعويض
اللغة العربية الفصحى بالعامية أو بلغة أجنبية لهم مبرراتهم، و الذين يدافعون عن اللغة
العربية الفصحى لهم أيضا مبرراتهم. فلا أحد تم تغييبه من هذا الحوار، وهذا هو مبدأ
الكاتب.
و بعد كل هذا، و اعتمادا على المعطيات
السالفة الذكر، و أخذا بالاعتبار السياق التاريخي و السياسي العام (الصراع الحضاري
والثقافي) الذي نعيشه يتوصل الكاتب إلى أن المسألة لا تنحصر في اللغة العربية في حد
ذاتها، بل يكشف لنا عن المؤامرة التي تحاك ضد الهوية العربية من خلال اللغة الأم. لقد
أصبح الدفاع عن اللغة الأم قضية مصيرية و صراعا من أجل البقاء. إن دعاة تبني العاميات
أو اللهجات المحلية لا يمكن إلا أن يفضي بما يدعون إلى تشتيت الأمة العربية برمتها،
و العودة إلى أسطورة برج بابل وإلى الفوضى وانعدام الحوار والتفاهم، أو كما يقول المثل
الشعبي المغربي "كلها يلغي بلغاه."
إن الكاتب و المفكر محمد أديب السلاوي
لا ينطلق في تحليله من موقف التعصب أو الذاتية. بل إن دفاعه عن اللغة الأم دفاع مشروع
و يستمد مشروعيته من الحجاج و المنطق السليم. يدعو بصراحة إلى أن أي تفريط في اللغة
العربية أو اتخاذ موقف المتفرج عليها و هي في طريق الإبادة ستكون له نتائج مأساوية.
و من حق أي شخص أن يدافع، بالحجة و الدليل، عن لغته الأم، أيا كانت هذه اللغة و في
أية جغرافية وجدت، و هذا حق من حقوق الإنسان لأنه دفاع عن النفس و عن الهوية.
إذن ماذا يكشف لنا مشكل اللغة العربية
اليوم، في الوقت الراهن، زمن العولمة، زمن صراع الحضارات؟ يثير الكاتب انتباهنا إلى
ما تتعرض له اللغة العربية من هجمات شرسة تعرض كل ما تحمله من دين وثقافة وهوية و تاريخ
إلى خطر الاندثار والإبادة. من هنا جاءت نداءاته
لجميع المعنيين بالأمر للتجنيد من أجل إنقاذها و الحفاظ عليها لأن في ذلك حفاظا على
أنفسهم. وإذا كانت اللغة العربية قد برهنت على قدراتها ومؤهلاتها في التعبير في جميع
المجالات وعلى مسايرة العصر و صمدت لقرون في وجه أعدائها، فأين يكمن المشكل إذن؟ يجيب
الكاتب محمد أديب السلاوي موجها رسالته إلى كل المسؤولين و الغيورين على لغتهم الأم
وعلى دينهم و ثقافتهم و وجودهم قائلا:
"إن الضعف ليس في اللغة العربية، ولكن في نفوس
العرب الذين استسلموا دون شروط للصراع الحضاري والهيمنة الثقافية الغربية و لغاتها."