هل تستمع الأكفان إلا الي صوت الموت؟ سؤال يتبادر إلي ذهني كلما شاهدت صفوف الجلابيب البيضاء واللحي المحناة تحمل العصي والأسلحة البيضاء الحمراء وتهتف باسم
الإله. فأتساءل..تري أيّ إله يهتفون باسمه ؟!
وعلي الفور تقفز صورة “يهوه” في العهد القديم إلي ذهني، تلك الصورة عن الإله المتشبع دوما بالدماء والقتل، الإله الذي يحب رائحة الشواء والمحرقات والمصعدات، غير أن هذه الصورة – وكما جاء في علم نقد العهد القديم – لم تكن إلا مكافئا موضوعيّا لصورة الآلهة المحاربة في الديانات القديمة ؛ كالإله (بعل)، والإلهة (تياومات) في كنعان، وكصورة آلهة الحرب عند اليونان.
فكيف تتشابك الصور وتتداخل بهذه الطريقة الغرائبية ؟!
فالمصطلحات الدموية المستخدمة في الخطاب المتأسلّم تذكرنا دوما بالمصطلحات نفسها الواردة في تهديدات ” يهوه ” لقوم فرعون في سفر الخروج ؛ فالإله يستخدم قوته وجبروته لدعوة المصريين لعبادته، يدعوهم إليه رهبة لا رغبة ولا رحمة، فالرحمة لا تنفع ولا تهم، الرحمة مصطلح غير مذكور في خطاب القوة، الآلهة الوثنية أو القريبة من الروح الوثنية لا تعرف الرحمة، فهي وكما قال شكسبير علي لسان أحد شخصياته ” تقتلنا لكي تتسلي..”
“لكي تعرف أن ليس في الأرض مثلي..لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي..ولكي يخبر باسمي في كل الأرض ” (خروج 9: 14-16)
فيهوه لا يكتفي بضربة واحدة لقوم فرعون، بل يزيدها إلي عشر ضربات، ” جراد لم ير آباؤك ولا آباء أبائك منذ يوم وجدوا علي الأرض إلي هذا اليوم” (خروج 7:6)
تتماهي في الخطاب المتأسلم إذن صور عدة للآلهة الوثنية القديمة ذات الطابع السادي ، تلك الصورة عن الإله الذي لا يعرف غير الوعد والوعيد، الإله المتجبّر لا الرحيم.
هكذا تقطع الآيات من سياقاتها لتستخدم في خطاب لا يغلفه إلا الطابع الدموي ” اقتلوهم حيث ثقفتموهم “تلك الآية التي ينتهي بها حديث معظمهم حين يتحدثون عن مفهوم الجهاد ضد كل من ليس منهم.
وهنا يتبادر إلي أذهاننا مفهوم آخر في الشريعة اليهودية يتجلي بشدة في الخطابات المتأسلمة ؛ ألا وهو مفهوم ” الأغيار ” أو ” الجوييم ” ؛ فكل من هو ليس من جلدة بني إسرائيل ثم الديانة اليهودية هو بمثابة “آخر” لا حقوق له، وهو ما ظهر في الأمر الإلهي من ” يهوه ” بسرقة ذهب المصريات قبل الخروج من الوادي إلي سيناء.
فيصبح المحرّم أخلاقيّا أمر نسبيّ، فيصير قتل الشيعة والعلمانيين والمسيحيين والليبراليين أمرا نسبيّا يحتمل التأويل في حرمانيته، بل وقد يصير أمرا محببا يتم به التقرّب إلي الإله.
وهنا نقف لنتساءل..هل ندافع باسم حرية الإعلام عن قنوات وثنية تبث روح الكراهية، وتبيح القتل، وتحلّل المحرّم، هل نتشدّق بالدفاع عمّن يضربون العقيدة في مقتل.. هل ندافع عمن يزدرون الذات الإلهية بحجة الدفاع عن دين الأوثان ؟!