حين كتب أبو حامد الغزالي (1058-1111م) كتابه «تهافت الفلاسفة» لم تكن الفلسفة الأخلاقية حينها قد ظهرت وتحلّت بإهابها التحليلي الرصين، بل كانت أسيرة للمحاولات
الأولى المهمومة بتعريفات الخير والشر والسلم والحرب، ثم سرعان ما كشفت القرون التالية عن حيازة الأخلاق مساحة بالغة الأهمية من الخريطة الفلسفية العامة، بما فيها من جدليات وتنظيرات ساعية لبناء مجتمع مثالي متكامل. كانت النتيجة بناء إطار نظري أخلاقي لتحقيق العدالة والمساواة، ورفع معدل الانضباط والمسؤولية، وتقليل الأضرار الناجمة عن التصرفات الإنسانية، فرديةً كانت أو مجتمعية؛ فنجحت تلك الطروحات من الوجهة النظرية، في حين فشلت عن تحقيق مستويات أخلاقية عالية من الوجهة التطبيقية، والمؤسف أنْ كان مؤشر التدني محسوبًا على أقطاب الفلسفة الغربية أنفسهم.
فعلى رغم أن الفلاسفة قدّموا أنفسهم نماذج متصالحة مع ذواتهم وصالحة لمجتمعاتهم، كان منهم نماذج شاذة خرقت المواثيق والأعراف الوظيفية، وساهمت في الاعتلال المهني والانحلال القيمي بممارسة ما هو غير متوقع، وما هو غير معهود، فدفعتهم نزواتهم الجنسية إلى هتك العلاقة المقدسة، والعروة الوثقى بين المعلم والطالب، والطبيب والمريض، والمربي والابن. من هنا نسبر أغوار الحياة الجنسية الصاخبة التي عاشها رموز ساطعة من أوربا، ونضيء تلك العتمات بالكشف الروائي الاستعراضي، بدايةً بحياة روسو المضطربة، ومرورًا بصراعات فرويد ويونغ، وصولًا لمغامرات سارتر ودي بوفوار، وانتهاءً بنماذج معاصرة لا تزال تمضي تائهة في هذا المسلك الوعر.