إذا اعترض رجل طريقك
ولم تر إلا قدميه فهذا لا يعني أنه بلا رأس، حكمة منسوبة إلى الآباش إحدى قبائل
الهنود الحمر. هذه المقولة استحضرها في الذكرى السادسة
لميلاد حركة 20 فبراير
المغربية وأنا أقرأ للبعض يلح على عفوية حركة 20 فبراير مشيرين إلى أنها حركة بلا
قيادة، بلا أحزاب، بلا زعماء، أو وليدة فراغ روحي وفكري، و ابنة شرعية للغاية
الافتراضية فقط، وانتهاء بالحكم عليها بالفشل. وهو كلام يحتاج إلى تصحيح ولا يخلو
من ظلم للحركة ولأجيال عديدة من المناضلين. معارضون كثيرون من شتى المشارب وعلى
مختلف الجبهات كانوا يتوقعون حدوث حراك 20 فبراير ويعدون له العدة كل على طريقته.
وإذا كانت احتجاجات حركة 20 فبراير قد فاجأت الجميع حقا في كل ما يتعلق بلحظة
اندلاعها إلا أنها سرعان ما وجدت في صفوفها الآلاف من هؤلاء الذين قاموا بدورهم
كاملا، لا فرق في ذلك بين عامل وعاطل عن العمل، بين رجل وامرأة، بين شاب وشيخ.
كانت حراكا من نوع جديد لذلك كان من الطبيعي أن تكون ذات قيادة من نوع جديد. لا
مكان فيها لاحتكار البطولة ولا مجال فيها للانفراد بالزعامة. وليس من شك في أن
وعيا شعبيا بهذا التوهج ما كان ليحصل لو لم يساهم في بنائه أجيال من المناضلات
والمناضلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين والإعلاميين والمعلمين و الأساتذة
والطلبة والتلاميذ والمعطلين..
إن انسحاب حركة 20 فبراير من ميادين الاحتجاج لم يكن
فشلا كما يتوهم البعض، لأن القول بفشل الحركة يظل نفسه في حاجة إلى تدقيق. فالعالم
كله اليوم انطلاقا من فرنسا مرورا بروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وصولا إلى
جانب كبير من بلاد الشرق الأدنى والأقصى مدين لتلك الثورات والحركات "الفاشلة"
بالكثير من معالم حداثته وتقدمه ومكتسباته الاجتماعية و السياسية. ومن هذه
الناحية قد لا يكون من المبالغة في شيء
الزعم أن هذه الثورات أو الحركات نجحت على الرغم من فشلها، وأن كل ثورة أو حركة
مهما فشلت في تحقيق كل أهدافها فهي ثورة أو حراك ناجح على حد ما تتركه من أثر لا
يمحى. وتبعا لذلك نستطيع القول أن حركة 20 فبراير حققت تراكما نوعيا وتنظيميا
وجماهيريا وسياسيا، وأبانت على قدرة في تحريك
الشارع المغربي، بالرغم من تأخير مواعيد الإصلاحات، والرهان على التآكل الذاتي
والتناقضات الإيديولوجية بين مكونات الحركة، لكن الحركة نجحت في تذويب هذه
الخلافات رغم بعض الاستثناءات، والحفاظ على سلمية الاحتجاج، وتنظيم
احتجاجات لم تنزع للعنف، ولم تفتح الباب أمام اندلاع حرب أهلية كما يحدث اليوم في
عدد من البلدان العربية، كما دفعت النظام إلى القيام بإصلاحات دستورية، وتنظيم
انتخابات نزيهة، وفسح الطريق لوصول حزب اسلامي معتدل إلى السلطة. كما جعلت أصحاب
القرار يصدرون إشارات ايجابية اتجاه الحركة التي استطاعت وفي ظرف وجيز حشد الآلاف
من المواطنين، وتوحيد النضال الشعبي في كل مدن وقرى المغرب، وجمعت حساسيات سياسية
إسلامية ويسارية ومستقلة، من أجل الديمقراطية والعيش الكريم، وانتزاع مكتسبات
أساسية من قبيل إضافة 15،7 مليار درهم لصندوق المقاصة لدعم أثمان المواد الأساسية،
وخلق ما يزيد عن 5000 منصب شغل، وإطلاق سراح عشرات المعتقلين السياسيين، والزيادة
في أجور الموظفين المنتمين للقطاع العام والخاص، كما أفلحت الحركة في إسقاط القدسية عن
بعض الشخصيات والرموز والطابوهات، علاوة عن أنها حررت طبقات الشعب من الخوف، وجعلت
من الاحتجاج والمطالبة بالحقوق سلوكا يوميا عاديا.