ـ لا أعرف كم مضى من الزمن وأنا
أجرّبُ بكلمات تصير
أقماراً وشموساً أو
ـ مضيتُ توّاقة إلى الوصول،
وصلتُ توّاقة إلى الرحيل،
الرحيل من أجل الرحيل وحسب.
ــ كلّ الذي سيبقى منّي
صرخة
صرخات
تغلُّ بروقها في روحي.
ــ داخلي مدن حزينة ومعتمة
وبحر يحترق.
ماذا لو اقتصدت بالأسى، ومَحَوت ملامحي القاسية،
هل تنتهي مزحة العالم معي؟
ــ ماذا ستفعلين الآن بخيوط النور
المتسلّلة إلى عزلتكِ؟
ها أنت تبهتين بينما
أوراق يابسة تعبر وجهكِ.
في قرارة نفسكِ تتوقين إلى
سماع أصوات بشرية ..
كأصواتهم.
أحيانا تودّين أن تكفّري عن غيابكِ،
ولو أن الرائحة الكريهة للخذلان،
وصرامة الزمن المتبقي، لن يسمحا بذلك،
حتماً..
لن يسمحا.
ــ حينما ارتجّت الأرض
ركض الجميع باتجاه البرّ
إلا أنا ..
جريتُ باتجاه البحر،
وكم كان رائقاً حينها،
لو يعرفون.
ــ لمن ستكون الغلبة..
لسماء تهبط
لتغرف زرقتها من البحر،
أم لبحر يصعد كل حين
ليشرب من سماء لا تكترث؟
ــ هل تسمع أنينهم الطويل،
وهم يتصبّبون عرقاً، ويسترقون النظر
إلينا من خلف الأبواب.
في الغرف الموصدة بَليَت أحلامهم،
والحزن المشتول في أعينهم
قد نفَرَ من النوافذ.
ــ تشرد نظراتي في المحطة بين
أحياء ألتقيهم
للمرّة الأولى،
أناي المتأمّلة تُطيل النظر إلى
وجوههم الكدرة.
أنواتهم الهَلعة تعبرني غير آبهة.
على عجلة من أمرهم،
وكأن الزمن المتبقّي لتنغلق فيه السماء على الأرض
قد نفَدَ.
ــ كلّ مساء
تضغط جبينها على زجاج النافذة لترقب
عالماً آخر..عالماً بلا أعمدة وبلا روائح،
يعجّ بالمارين ليلاً.
بأعينهم المبتسمة يحيّونها وهم
يؤدّون حركات مدوّخة.
كلّ مساء تدير ظهرها للأرض لتبدأ
روحها الصغيرة ـــ الكبيرة بالشدو معهم.
ما أن يغيبوا حتى تعضّ بمرارة على شفتيها.
حينما أومأت لأحدهم أن يقترب لتلمسه،
وجدته أثيرياً وحارقاً.
من يومها لم تعد تمرّ قوافلهم
تفكّر الصغيرة..
هل أخفتهم؟
ــ ظمآنة
ومراسلاتي مع الغيم لم تُجدِ نفعاً.
ليس بمقدوري أن أتجاهل قصائدي الأسيرات.
أكاد أُحصي دقّات قلبي من فرط
لمعان المعنى، وطقطقة الكلمات وهي تحترق.
إنها تُدفئ روحي كترنيمة نومٍ تُطبطبُ
على أيامي المنكسرة كي
ترقد بسلام.
ــ المغادرون يظنونني منهم،
والعائدون كذلك،
أمّا المودّعون فيبادلونني نظرات الأسى.
لستُ هؤلاء جميعاً.
ــ عند نقطة الوصول أدركتُ
أنني الهدف،
صرتُ أقرأ أفكار الكون بيسرٍ،
وأسمع موسيقاه.
ــ كانت تحدثنا كبيرة ساحرات القرية
عن صاحب الذراع الطويلة،
أنه رضع من شاة سحرية
حتى أن الثعابين الاسطورية نفّاثة اللهب
كانت تخشاه.
كلّ هذه الخدع لم تنطلِ عليّ يوماً،
هي مجرّد كلمات من طين
لملء الفراغات.
ــ متى ستخرج
عروق تلك الأرض المُدمّاة عن الطاعة؟
هنا..
وحيث يترسّب التاريخ في كؤوس مُترعة بالقهر،
تستبسل السماء لتبقى زرقاء،
مع أنها حمراء..حمراء.
*شاعرة من سورية
عن ضفة ثالثة