تربط النساء الدارسات لقضية المرأة بين اللامساواة
أو الظلم الاقتصادى والجنسى والعنصرى الواقع على النساء بالظلم الواقع على الفقراء
والعمال والأجراء، واتساع
الهوة فى معظم بلاد العالم، بين الطبقة الحاكمة (1٪) من المجتمع،
المالكة لكل شىء و(99%) المكافحين من أجل لقمة العيش، مما أدى لاشتعال الثورات الشعبية
فى هذا القرن الواحد والعشرين، منها الثورة المصرية (يناير 2011) وبلاد عربية أخرى،
والثورات فى أوروبا وأمريكا، منها حركة احتلوا وول ستريت (فى العام نفسه 2011) وغيرها.
أصبح النظام الرأسمالى يواجه أزمات اقتصادية وسياسية
واجتماعية وأخلاقية عنيفة، تهدد بسقوطه لولا المحاولات المستمرة لإصلاحه، والتخفيف
من الظلم أو اللامساواة المتزايدة، والتغطية على الفساد المالى والخداع الديمقراطى
فى الانتخابات والسوق الحرة.
ومن هنا الترويج للكتب الجديدة الناقدة للرأسمالية
التى ازدادت شراسة، تحت اسم مكافحة الفقر والظلم واللامساواة المتزايدة، وهى عمليات
إنقاذ للنظام الرأسمالى ومؤسساته وأرباحه، وحجب النقد الجذرى الأعمق للرأسمالية ونظامها
الطبقى الأبوى العنصرى فى العالم. قامت بهذا النقد المهم باحثات نسائيات من مختلف البلاد،
يربطن بين العلوم الطبيعية والإنسانية، ومنها الاقتصاد والطب والبيولوجى والسياسة والتاريخ
والاجتماع والأنثروبولوجى والفلسفة والدين وعلم الكون والبيئة والمناخ وغيرها
فى الشهور الماضية لعب الإعلام الرأسمالى العالمى
دورا كبيرا فى ترويج كتاب الاقتصادى الفرنسى «توماس بيكيتى» بعنوان: «رأس المال فى
القرن الواحد والعشرين»، واعتبروه ثورة فى نقد الاقتصاد الرأسمالى، يشبهونه بكتاب كارل
ماركس «رأس المال»، وكان كارل ماركس رائدا فى نقد الرأسمالية، خاصة الظلم الاقتصادى
الواقع على طبقة العمال البلوريتاريا، لكنه لم يدرك الظلم الجنسى والاقتصادى الواقع
على النساء، وهى ثغرة عميقة فى الفكر الماركسى، حاول فردريك إنجلز الإشارة إليها فى
كتابه أصل العائلة، حين قال «المرأة هى بلوريتاريا العائلة»، لكن الباحثات النسائيات
قدمن نقدا جذريا أعمق للفكر الرأسمالى، وربطن بين الظلم الطبقى والجنسى، منهن بانداما
شيفا من الهند ومارى ميز من ألمانيا و ميلانى كلين من كندا، وزيلا أزينشتاين من الولايات
المتحدة الأمريكية، التى قدمت نقدا لكتاب توماس بيكيتى ملخصه الآتى
لا يقدم المؤلف نقدا شاملا للنظام الرأسمالى، ويكتفى
بشرح أسباب زيادة الظلم أو ظاهرة «اللامساواة» المتزايدة، وكأن اللامساواة ظاهرة طبيعية،
ويتجاهل فى تحليله أرباح الرأسمالية الناتجة عن
استغلال عمل النساء والفقراء والسود والمهاجرين من جنسيات أخرى
إنه الصمت الشائع (لأغلب الباحثين) عن الاستغلال
الجنسى العنصرى المتزايد على النساء فى ظل النظام الرأسمالى، مع أنه لا يمكن علميا
أو عمليا فصل الظلم الطبقى والعنصرى عن الظلم الجنسى الواقع على النساء.
يكمن تزايد تراكم رأس المال فى تزايد الاستغلال
الواقع على النساء والفقراء فى آن واحد.
يظل «العمل» فى نظر المؤلف، أرقاما مجردة، وليس
جهودا بشرية يقوم به نساء وأجراء وأطفال.
يركز المؤلف على دور الثراء الموروث بيولوجيا، ويقلل
من دور العمل والجهد الذى يبذله النساء والفقراء.
ويحاول إثبات أن اللامساواة موروثة أكثر منها نتاجا
لنظام سياسى غير عادل، ويحاول إقناعنا بأنه يمكن للرأسمالية تصحيح نفسها دون تغيير
النظام.
يهتم المؤلف بأسباب تزايد اللامساواة، ولا يهتم
باللامساواة ذاتها وأسباب وجودها، وكيف نقضى عليها إن أردنا القضاء على الظلم وتحقيق
العدالة، ويبحث عن أسباب تزايد اللامساواة وكيفية قياسها؟ لكنه لم يربط بين تزايد اللامساواة
وتزايد رأس المال، رغم أنهما ظاهرتان غير منفصلتين، ثم يعلن أنه لا حياد فى عمليات
قياس اللامساواة، وأن نظريات الخبراء لن تقضى على الصراع العنيف الناتج عنها، وأن طريقة
جمع الثروات وتوزيعها تخلق مزيدا من الفروق بين الأغنياء والفقراء، رغم كل ذلك، يعجز
المؤلف عن ربط اللامساواة الاقتصادية باللامساواة الجنسية والعنصرية.
يتبع......