بتاريخ 9 نوفمبر دعيت لإلقاء محاضرة في كلية العلوم
بجامعة محمد الخامس بالرباط. وكانت بعنوان «الذيول الفلسفية لنظرية الانفجار العظيم».
وحين نستعرض المعلومات
التي توفرت لنا مقابل من سبقونا نُصاب بالذهول، ويمكن اعتبار
عام 1543م مفصلياً في تاريخ العلوم إلى درجة أن المؤرخ «ديورانت» ذكر في موسوعته أنه
كان عام العجائب! والسؤال: لماذا؟ والجواب أن ذلك هو المفصل التاريخي في عالم الاكتشافات
العلمية، فقد دخل «فيساليوس» إلى جسم الإنسان فكشف تشريحه للمرة الأولى في تاريخ الطب!
والثاني مع «نيكولاوس كوبرنيكوس» الذي قلب النظرة الكونية في علاقة أرضنا بالشمس على
نحو معكوس تماماً، مما أثار حفيظة الكنيسة وشنت حملة حرق واتهام بالهرطقة ضد كل من
نطق ما تعبره كفراً! والثالث كان عن جغرافية الأرض فقد ضرب «ماجلان» ضربته في إثبات
كروية الأرض، ودفع حياته ثمناً للكشوف في حماقة اقتتال مع أهالي بعض الجزر البعيدة!
ولأول مرة عرفنا أن أمنا الأرض التي نقف عليها كروية، وبدأت الاكتشافات الرامية لمسح
الأرض لنعرف أن الأرض كوكب صغير في مجرة تضم مئة مليار نظام شمسي، تحلق حول كل شمس
حزمة من الكواكب، بل إن الكوكب نفسه، كما في حالة المشتري، قد تدور حوله 67 قمراً منيراً.
والمذهل عن طبيعة الكون أن آينشتاين حين تقدم بنظرية
النسبية العامة قادته المعادلات إلى ظاهرة صعبة الفهم تقول بتمدد الكون، مما أفزعه
هو نفسه، ليحاول فرملة هذا التمدد بإدخال عامل الثبات إلى معادلات مهزوزة! ولكن كلاً
من «دي سيتر» و«ألكسندر فريدمان»، وهما عالمان في الرياضيات، وبشكل منفرد توصل كل منهما
إلى نفس النتيجة عن تمدد الكون. ليلحقهما عالم فلك أميركي مهووس بالنظر في النجوم من
مرصد «بالومار»، ليكشف عن ظاهرتين مذهلتين عن تسع مجرات تحلق في الأعلى، بل إن كل النجوم
المتوقدة في كبد السماء تشع بضوء أحمر خافت. ولكن ما دلالة الضوء الأحمر؟ إنه ظاهرة
يفهمها الفيزيائيون جيداً منذ أن حلل إسحاق نيوتن الضوء، فالنور الأبيض هو «كوكتيل»
من الألوان رأسه أزرق منطلق، وذيله أحمر باهت، فإن هرب تقدم بأنف أزرق، ورأينا مؤخرته
الحمراء، وهو ما وقف أمامه الأميركي «أدوين هابل» ليخرج بنتجية تقول إن الكون يتمدد
فكل النجوم تبث ضوءاً أحمر.
وفي نفس الوقت لفتت ظاهرة توقد الشمس عالمي فيزياء
ألمانيين، هما «هانس بيته» (توفي مؤخراً) و«كارل فون فايتسكر»، ليقولا إن ما يحدث في
باطن الشموس هو وقود غير تقليدي حيث تتحول العناصر ابتداء من الهيدروجين إلى أثقل فأثقل
حتى ولادة اليورانيوم في قلبه 92 بروتوناً!
وهكذا قال العلماء: إذا كانت طبيعة الكون هذه صورته
فكيف نفهم ظاهرة التمدد؟ وجاء الجواب من عالم مشلول بشلل رباعي، ومربوط إلى حلقه كمبيوتر
للنطق، هو «ستيفن هوكينج» يخرج على الناس بفهم جديد لظاهرة الثقب الأسود! وكذلك في
كتابه واسع الانتشار «قصة قصيرة للزمن» أن الكون في رحلة الرجعى ينكمش أكثر فأكثر حتى
ينخمص قبل 13,7 مليار سنة إلى نقطة رياضية سماها «الحقبة المتفردة» حيث ينهار عالم
الفيزياء بالكامل، فلا يبقى زمان ومكان، أو طاقة ومادة، بل لا وجود لأي لون من قوانين
الفيزياء المعروفة!
بكل بساطة تنمحي حقائق الوجود الخمس التي نوهنا
إليها بما فيها الطاقات الخمس من مغناطيس، وكهرباء، وقوى نواة ضعيفة، وقوية، والجاذبية،
وهي أضعف الطاقات الخمس.
وإذا كانت بداية العالم انفجرت من نقطة رياضية يسمونها
«الحقبة المتفردة»، فمعنى هذا أنها بداية من عدم! فهل نقول عنها إنها لحظة الخلق الأولى؟
هنا وفي هذه النقطة تنمحي الجدران والفوارق بين
العلم والإيمان ليلتحما في أشد صورة معبرة.