يواجه الوطن العربي و مجتمعاته، منذ أعقاب ما يعرف بالربيع العربي تحديات جمة مشتركة ذات صلة موحدة ببناء المجتمعات الديمقراطية،
المؤمنة بالاختلاف العرقي و
الفكري و الديني و السياسي، وهي صفة طالما لازمت العرب
حتى انحسار النفوذ العثماني و اندثاره على أيدي الاستعمار، و الذي لعب فيه البريطاني
الدور الريادي الكبير، وهذا ما تؤكده مراسلات السيرهنري مكماهون و الشريف علي بن الحسين
بين عامي 1915م و 1916 م، حول المستقبل السياسي
للأراضي العربية في الشرق الأوسط.
و من هذا المنطلق نذكر بأن المملكة المتحدة كانت تسعى من خلال سياستها
هذه إلى استثارة ثورة مسلحة ضد الحكم العثماني.
فمن المؤكد أن السير مكماهون وعد شريف مكة باعتراف
بريطاني بدولة عربية مستقلة كاملة السيادة، شريطة مشاركة العرب في الحرب ضد الدولة
العثمانية، وهو ما نفذه العرب بالحرف و ذلك من خلال ما عرف بالثورة العربية الكبرى،
كما رأى فيه البعض أيضا في تلك الساعة وعدا بريطانيا بالاستقلال الفوري للعرب، إلا
أن هذه الوعود سرعان ما تبخرت بتقسيم فرنسا وبريطانيا للمنطقة باتفاقية سايكس بيكو
السرية في مايو من عام 1916م، و التي كشفها
الشيوعيون أعقاب الثورة البلشفية من العام
الموالي.
إن هذه الخلفية التاريخية الموجزة لا يمكن الاستغناء
عنها في ظل الحديث عن المشروع الفكري البريطاني الجديد في البلدان العربية، تحت غطاء
المجلس الثقافي البريطاني و مؤسسة أنا ليند، و هو ما يعرف ” بمشروع صوت الشباب العربي”.
فمن البديهي أن يتبادر إلى ذهن القارئ كل الأسئلة المرتبطة بالمشروع،
و ماهيته، و ظروف نشأته و أهدافه، و لاستجلاء كل لبس فالمشروع البرنامج تم إطلاقه عام 2011م، و يعرفه القائمون عليه بكونه”مشروعا
إقليميا بالتعاون بين المجلس الثقافي البريطاني ومؤسسة آنا ليند و يهدف إلى تنمية المهارات
والفرص من أجل إقامة مناظرات يقودها الشباب في المنطقة العربية”.
و هو أيضا “برنامج صوت الشباب العربي الإقليمي يهدف
إلي إتاحة الفرص، والأدوات، وتنمية المهارات
اللازمة لمشاركة الشباب في إقامة وإدارة مناظرات فعالة من أجل المساهمة في اثراء
الحوارالبناء والديموقراطي في البلدان العربية. ويعتمد البرنامج على الشراكات مع منظمات
المجتمع المدني والقطاع التعليمي من الجمعيات الأهلية، مجموعات شبابية، مراكز ثقافية،
مدارس، وجامعات، بالإضافة الي الوزارات المعنية في كل من الأردن، مصر، ليبيا، تونس،
الجزائر، والمغرب.
ويقوم كل من مؤسسة آنا ليند والمجلس الثقافي البريطاني،
من وازع مسئوليتهم الإقليمية، بتطوير وادارة البرنامج في الدول العربية بتمويل مشترك
من مبادرة الشراكة العربية التابع لوزارة الخارجية البريطانية، بالإضافة إلى الاتحاد
الأوربي، إلى جانب الدعم المؤسسي من جامعة الدول العربية” [1]
فمن خلال هذا المنطلق التعريفي يمكن أن نتساءل عن
الدوافع و الأسباب وراء هذا الاهتمام البريطاني بالشباب العربي في الوقت الراهن؟ و
ما الفائدة التي ستجنيها بريطانيا من وراء هذا المشروع البرنامج؟ و في المقابل ما القيمة
المضافة التي ستعود نفعا على المجتمع و الفكر العربيين على السواء ؟ و ما هي طبيعة
وازع المسؤولية الإقليمية للبريطانيين تجاه العرب؟ كما نتساءل عن مآل المشروع النهضوي
العربي الذي أطلق من نفس من قبل مركز دراسات الوحدة العربية؟ [2] و لماذا لم تبن العرب ما جاء به المشروع النهضوي
العربي ؟ و ما موقع و موقف المؤسسات العربية
باختلاف عناوينها وتوجهاتها الإيديولوجية و السياسية من هذا المشروع البريطاني الجديد؟
إن هذه الأسئلة و غيرها ستبقى تنتظر أجوبة مقنعة،
لعل و عسى تساهم بكيفية ما في خلق رؤية مستقبلية للفكر و السياسة العربيين، تحت ظل
عربي حر بعيدا عن أي تدخل أو رعاية أجنبية،
و ذلك قصد استشراف غد مشرق للمجتمعات العربية برمتها فكريا و حضاريا.
أما بالنسبة للسياسة البريطانية تجاه العرب، فلا
يمكن وصفها إلا كمن يسكب الزيت على قطعة قماش، و هذا ما تؤكده الدلائل التاريخية عبر العصور الماضية في كل أرجاء الوطن العربي.
هذا على مستوى الوطن العربي بشكل عام، أما على الصعيد
الوطني، فما يجهله الكثير من المغاربة، هو
أن معلومات الغرب عن المجتمع المغربي ما زالت
معلومات ناقصة جدا بدليل كتاباتهم، و هذا الأمر
يجد تفسيره في البرامج الغربية الموجهة إلى بلدان العرب و التي
تتخذ في أغلبها الطابع الاجتماعي قصد تحقيق غاياتها.
و في المقابل، تجد المثقفين المغاربة يعرفون كل شيء عن الغرب و تاريخه،
و طريقة تفكيره و تنظيماته الاجتماعية، السياسية
و الاقتصادية، و بالتالي فلا نحتاج لبعث بعثات لبلدانهم لتجمع لنا المعلومات التي نحتاج
إليها.
فالدور البريطاني في تقسيم بلدان العرب معروف، و معاهدة سايكس بيكو عام
1916 خير دليل على ذلك، وبعدها جاء عد اللورد بلفور، و بالتالي فالدور البريطاني إلى يومنا هذا لا زال
قائما في هذا الاتجاه، و خير دليل هو تقسيم دولة السودان حيث لعبت بريطانيا دورا مركزيا
في ذلك منذ القرن التاسع عشر، بل و عملت على تنفيذ مخططه بكل حزم و قوة لا يخلوان من
مكر و دهاء سياسيين ظلا لصيقين بالسياسة الخارجية البريطانية منذ نشأتها، وبالتالي
فليس غريبا أن تأتي سياستها أكلها في أيامنا. فكما يقول البريطانيون أنفسهم و يصفون
به أنفسهم و يفتخرون بذلك بكون أعصاب الإنجليز باردة، مما يعني أن سياساتهم أيضا باردة
و هادئة لا تثير الفضول و لكنها لا تعرف الفشل، و هنا أذكر بما كان للتجار و القناصل البريطانيين من دور في مسلسل الاستعمار خلال القرن
التاسع عشر و التاريخ المغربي لخير دليل.
فمن كل ما سبق يمكن القول أن بريطانيا لن تأتي إلى المغرب لتضييع الوقت
و المال من أجل تكوين الشباب المغربي ، لا لشيء سوى لسواد أعينهم فهذا أمر لا يقبله العقل و المنطق ، و من ناحية ثانية فالتأسيس لمثل
هكذا مناظرات فمن شأنه أن يزكي الخلافات الفكرية بين الشباب المغربي، بل و يزيد من تعميقها، و بالتالي التأسيس للتباعد الفكري
بين مكونات المجتمع المغربي بكل مكوناته العرقية و الفكرية، و إن نجح الإنكليز في هذا
كما نجحوا فيه في لبنان و العراق و سوريا فسنكون ساعتها من أسوأ بلدان العالم، وهو
الأمر الذي يفرض علينا و يلزمنا باتخاذ الحيطة و الحذر في التعامل مع البريطانيين في
هذا المجال بالذات، ومن هنا فلما لا نبحث عن بديل وطني عن المجلس الثقافي البريطاني و خدماته؟ أليست الجامعات،
و المعاهد المغربية، و كل مكونات المجتمع المدني، من جمعيات و أحزاب و غيرهما بقادرة على تولي هذا الأمر كل في من موقعه و في
مجاله الخاص؟.
هوامش:
—————-
[1] –
http://www.youngarabvoices.org/ar/n-lbrnmj
[2]- راجع كتاب: المشروع النهضوي العربي، نداء
المستقبل، الطبعة الثانية المنقحة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011.