أثناء متابعتي للتقارير، والأخبار الاقتصادية في الشهور الفائتة استوقفتني مشاهد الاحباط في الشارع العربي، وقد وجد المواطن نفسه
عالقا في وسط الأزمة لا ينفك
يبحث عن سبل لكفالة نفسه، وعائلته، وتأمين حياة كريمة آمنة بعيدا عن مطرقة الحرب، وسندان الأزمة الاقتصادية، حتى لو دفع ثمن ذلك بالهجرة غير الشرعية، أو البحث عن اللجوء، فاستمرار الأزمات لها بعد آخر على إنتاجية الإنسان العربي، وهو البعد النفسي، والشعور بالقهر، والهدر.
يبحث عن سبل لكفالة نفسه، وعائلته، وتأمين حياة كريمة آمنة بعيدا عن مطرقة الحرب، وسندان الأزمة الاقتصادية، حتى لو دفع ثمن ذلك بالهجرة غير الشرعية، أو البحث عن اللجوء، فاستمرار الأزمات لها بعد آخر على إنتاجية الإنسان العربي، وهو البعد النفسي، والشعور بالقهر، والهدر.
إنّ حالتي
القهر ( الشعور بالقهر على سبيل المثال القيود الفكرية، والاقصاء ) والهدر في
(الوقت، والطاقات، والموارد) أصبحتا تعيقان تقدم الدول العربية، فبالإضافة إلى المخاطر الخارجية، والداخلية التي
تعانيها، فإنّ تكرار الأزمات خلقت فجوة ثقة بين الحكومات والمواطن الذي لم يعد متفائلا
تجاه المستقبل مع ارتفاع نسبة البطالة حيث تتبوأ المنطقة العربية الترتيب الثاني عالميا
في نسب البطالة، ويعاني ٩٠ مليون إنسان عربي
من الأزمة الاقتصادية في الدول التي تشهد صراعات،
إضافة إلى ضعف الأجور مقارنه مع غلاء المعيشة، وارتفاع معدلات التضخّم، ومن
جهة أخرى، فإن المجتمعات العربية أيضا لم تعد تثق في قدرة أبنائها على العطاء لأسباب عدّة من أبرزها :عدم مواءمة المخرجات التعليمية
والتدريبية مع الحاجة الفعلية للمؤسسات، وثقافة العمل السائدة نتيجة ترهل الأنظمة الادارية
بالمؤسسات، بالأخص في القطاع العام .
إنّ الوضع الاقتصادي العربي هذا العام في عالم الغيب، ومن الصعب التنبؤ به، هكذا جاء توصيف
خبراء الاقتصاد عن الوضع المتوقع في
العام الجاري، وما بعده، فلم يتمكن الخبراء
من تحليل الوضع بشيء من الدقة، أو التنبؤ،
كما هو بطبيعة الحال، فقد شكل انتخاب الرئيس دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وقرار خروج المملكة المتحدة
من الاتحاد الأوروبي صدمة لدى الأوساط العالمية،ودفعت بالكثيرين إلى إعادة التفكير،
والنظر في مستقبل العالم بعين الشكّ، والريبة لأن الواقع قد ينبيء بالعديد من التحوّلات على المستوى الاقتصادي،
والسياسي، إذن ما هي السيناريوهات المتوقعة، وكيف سيبدو العالم مع ارتفاع وتيرة الشعبوية،
والقومية في العالم، والدعوات إلى الانكفاء إلى الداخل بعد أعوام من الرأسمالية الليبرالية
التي بلورت مفاهيم العولمة، ودعت إلى عولمة الاقتصاد والثقافة، وإنشاء حكومة عالمية..
؟ هل ستنحسر مع نمو اتجاهات جديده مغايرة؟
في العام الفائت كانت هناك توقعات بتعاف نسبي في الاقتصاد العالمي بعد خفض سقف انتاج النفط، إلا أن الاقتصاديين سبق، وأن أشاروا، ومازالوا يؤكّدون بأنّ تعافي الأسعار
لا يعني أن تعود الأسعار إلى سابق عهدها فوق ١٠٠دولار، فالمتوقّع لها أن لا تزيد عن ٦٠ دولارا، لذلك من المتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي
عالقا لفترة أطول بنمو دون مستوى المتوسط، وما يقلق المستثمرين، وصناع القرار زيادة
قوة الدولار نتيجة عملية إعادة التدوير التي تقوم بها الدول النامية على فوائضها من
الدولار الأمريكي، لذلك ستعاني الدول الناشئة،
والنامية أكثر من غيرها، لأنها تعتمد عى التمويل الأجنبي، مما قد يعرّضها لمخاطر سياسية إلى جانب اقتصادية.
وبالرغم من التحليلات الاقتصادية المتشكّكة، فإن
هناك واقعا آخر على الأرض يجعل من الدول العربية تدور في فلك المشكلات، وهي تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية
دون الطموح، ولم يساعدها على التعافي، ولو نسبيا من الأزمة حتى الآن، فالاعتماد على
النفط ما زال قائما في الخطط المستقبلية لبعض
الدول العربية حتى بعد إضافة قطاعات جديدة في استراتيجياتها المستقبلية لتنويع مصادر
الدخل، ومشكلة البطالة تتفاقم وسياسات التعليم
مازالت تعتمد على القطاعات الأكاديمية،
وتوفير مخرجات من حملة الشهادات، والابتعاد عن تطويرالقطاعات المهنية، والحرفية، بالأخص في مجالات الخدمات، والتكنولوجيا، والقطاع
الخاص مازال مقيدا بالبيروقراطية، وغياب الشفافية
في الإجراءات، والتشريعات التجارية، والإدارية، والقضائية، والمشاكل الأمنية تعصف بالأقطار العربية بين آن
وآخر، وشبح الحرب، والإرهاب قابعا في عدد منها، شبح آخر حل قريبا على بعض الأقطار
العربية كاليمن، وجنوب السودان، والصومال، وهي المجاعة من جراء الحرب، والصراعات، والتغير في المناخ العالمي. إذن أين المفر؟ وما هي الخيارات
المتاحة للخروج من الأزمة؟.
إنّ الواقع العربي الطارد للطاقات، إن جاز التعبير هو الخاسر الأكبر، لأنه يدفع إلى هجرة الأدمغة، وعدم استفادة المجتمعات
العربية التي هي في أمسّ الحاجة إلى أبنائها للخروج من الأزمات .
إننا نشهد عصرا من نزيف مستمر في جسد الأمة العربية، والمستفيد الأكبر من المهاجرين والعلماء
هم الدول المتقدمة التي نعتمد على بيوت خبرتها لحلّ أزماتنا!! متناسين أن بيوت الخبرة
الأجنبية تحتاج إلى أدمغة محلية لتنفيذ الخطط، فإن أقصينا المبدعين، والعلماء، أودفعناهم
إلى الهجرة، فمن سيتولى خطط البناء والتعمير ؟؟
يقول د.مصطفى حجازي وله دراسات حول سيكولوجية
الإنسان العربي منها كتاب “الانسان المهدور
“ وكتاب التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجيه الانسان المقهور إنّ الانسان المهدورٍ سيهدر افرادا، ومؤسسات، وموارد،
فيما عداه هو، و يبدأ الهدر من هدر الدم إلى
هدر الوقت، والفكر والوعي والإبداع…، “ و قد يتخذ الهدر عدة أشكال كعدم الاعتراف بانسانية الانسان و بالطاقات، والكفاءات
المميزة، والاراده الإنسانيه الحره، والوعي،
ويعتبر حجازي إن هدر الفكر من أخطر أشكال الهدر، لأنه يحرم المجتمع من امكانياته
وطاقاته، وسيؤدي إلى شلل فكري، ومن ثم
إ لى عدم وعي الفرد بنفسه، وموارده، ومجتمعه، وبالتالي
لا يمكن لمن فقد التفكير أن يكون متمكنا و
مسيطرا على موارده، وإمكانياته، ومشروعاته، فالمجتمع
الحقيقي يقوم على نشاط وانتاجيه أفراده، وأفكارهم، وطاقاتهم، بالتالي،
فإنّ حرمان أفراد المجتمع من استثمار إمكانياتهم،
وأفكارهم يعد حرمانا للمجتمع كلّه، ويحوّل المجتمع إلى جثة لا تمتلك مناعة تحميها من
العصبيات، وغيرها من أمراض المجتمع.
إنّ المجتمعات العربية في أمسّ الحاجة الان إلى اصلاحات اقتصادية تتجاوز مستوى طموح الشارع
العربي، فالموارد البشرية العربية قادرة على تحقيق انجازات عظيمة، كما يحققها أبناؤنا كل يوم في المجتمعات
الغربية إن تم تجسير فجوة انعدام الثقة بين المواطن، والحكومات .
كاتبة، وباحثة عمانية