أثار توقيف الناشط ناصر الزفزافي لخطبة الجمعة مسألة
الاستغلال السياسي لخطب الجمعة في المغرب، والتهم التي توجه في هذا الإطار ، سواء للدولة
أو لخطباء ممن
يمكن أن ينتموا لتوجهات سياسية،
ويثار أيضا الفصل 221 من القانون الجنائي الذي يقضي عطل عمدا مباشرة إحدى العبادات،
أو الحفلات الدينية، أو تسبب عمدا في إحداث اضطراب من شأنه الإخلال بهدوئها ووقارها،
يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من مائة إلى خمسمائة درهم.
وغالبا ما تكثر، كل جمعة، عديد التدوينات والتعاليق
التي تنتقد خطب الجمعة في جميع ربوع المغرب. ومنها التي تنتقد تخصيص بعض الخطب لمواضيع
طبية أو بيئية كالرضاعة الطبيعية أو المحافظة على البيئة أو فوائد اليود في الملح،
أو مناسبة وطنية كالمسيرة لخضراء أو ذكرى الاستقلال أو تقديم وثيقة المطالبة به.
لكن الذي قد يجهله البعض، أن الخطباء ملزمون بضوابط
عدة تحدد عملهم وتسطر مسار خطبهم. منذ بدأ مسلسل إصلاح الحقل الديني، والدولة المغربية،
ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية تعمل على الإحاطة بشكل شامل بهذا الحقل.
ومن بين الأمور التي تكفلت بها الوزارة، هو تقديم دليل خاص بالأمة يحدد عملهم وأدوارهم.
ومن بين هذه الأدوار، هو خطبة الجمعة. فما الذي تضمنه دليل الأئمة بخصوص هذا الركن
الثابت في الدين الاسلامي؟
كيف ينظر الدليل للخطبة؟
دليل الإمام لا ينظر لخطبة الجمعة بمنظور تعبدي
ذو خصائص وقواعد وشروط، بل يعتبرها “قناة أساسية لتلقين جموع المصلين المفاهيم الدينية،
والتصورات العقدية، والأحكام الشرعية. وكذا محاولة لإقناعهم عبرها بما لم يكونوا متخلقين
به من قبل، فعلا وتركا، مما يخص بعض التصرفات، أو بعض المواقف، أو بعض التصورات. كما
أنها قد تكون وسيلة للتحميس، وإيقاظ الهمم تجاه عمل ما، أو مشروع ما”. وهذا الأمر يفسر
تخصيص عدة خطب لمواضيع كالبيئة أو الرضاعة الطبيعية أو غيرها من الأمور المجتمعية الآنية.
ونظرا لهذا الدور المهم الذي تكتسيه الخطبة، كان لابد لها من مراعاة عدد من الضوابط
كي تحقق هدفها. فما هي هذه الضوابط؟
ضوابط الخطبة
أبو اسحاق الشاطبي، أحد شيوخ المذهب المالكي، الذي
يعتمده المغرب، يقول في شروط خطبة الجمعة ما يلي :”المفتي البالغ ذِروة الدرجة هو الذي
يَحمِلُ الناس على المعهود الوسط، فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهبَ الشدة، ولا
يميل بهم إلى طرف الانحلال”. من هذا يتضح بجلاء النهج الذي تقترحه وزارة الأوقاف على
الأئمة اتباعه، وهو نهج “الاشتغال بالمعلوم من الدين بالضرورة”، أي أن يتناول الإمام
كل ما يلزم المسلم لعبادة ربه من أركان الإسلام وأصول الإيمان، بلا تفريط ولا افراط.
أما منهجيا، فتنصح الوزارة الأئمة بتوظيف كل
الأدوات الأسلوبية والمناهج الخطابية ذات التأثير القوي والناجح، مما لا تكون ردود
فعله معاكسة لدى الجمهور. كأساليب التقريب والتحبيب. وتجنب المعارك الشخصية والسياسية
والإعلامية.
والذي بررته الوزارة بكون الخطيب نائب لأمير المؤمنين،
وبالتالي يجب عليه التحلي بالحياد بين الجميع. وليس غريبا إذن أن تشترط الوزارة على
كل امام أراد الترشح لانتخابات أن يستقيل من مهامه قبل شهر من ترشحه. وكذلك تفادي إعلان
الفتوى فوق المنابر. والمقصود بالفتوى هنا، حسب الوزارة ما استجد من نوازل في عصرنا
الحديث، إذ تحتاج لدراسة وبحث وأن مكان اعلان الجواب فيها ليس المنبر مهما كان الأمر.
وتزيد الوزارة مراعاة المستويات الثقافية والتخصصات
المختلفة، وترى فيه أن تهور الخطيب قد يتسبب له الارتماء على التخصصات الأخرى، من طِبٍّ،
أو فلَكٍ، أو هندسة، أو كيمياء، أو فيزياء، أو بيولوجيا، أو أي علم من العلوم التي
لا قِبَلَ له بها، ولا سابقة له فيها ولا اختصاص؛ فيبني موعظته على أمور فيها، منقوضة
عند أهلها، وغير مسلمة فيها. هذا بالإضافة للدعوة لتبني خطاب ايجابي غير عدمي.
غير أن الوزارة المعنية تلغي كل هذه التفاصيل والشروط
لصالح الخطب الموحدة، والتي تكون غالبا بهدف التوعية الوطنية أو الدينية أو الصحية،
لكن خطبة هذا الأسبوع أثارت الجدل حول حق الدولة في تمرير مواقفها السياسية، خصوصا
اتجاه مواقف حراك الريف الأخير.