-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

نصرالدين شردال قاص مغربي قصة قصيرة: نَحْلَةُ الأَسِير.

جاؤوا به من الحقول الهادئة منذ شهر، كان حرا طليقا كالهواء، ينعش الأرض التي أحبها حتى الرمق بعرقه ودمه، يفتح المجرى للسواقي فيرتوي الزيتون الآيائل والغزلان، وتحط على كتفيه
الأطيارو الحمام، يتبعه النحل والفراشات حيث ما ولى وجهه.
قيدوا يديه، ورموا به في غابة القضبان الضيقة، وأحكموا الإغلاق.
وذات ليلة جلسوا للعشاء كضباع تربعوا على فريسة نافقة، قال له كبيرهم المنتفخ كدب بري وهو يذهن الخبز بالعسل، يحشوها في بطنه  المكتنز الذي لا قرار له:
ــ أتريد قطعة خبز بالعسل، إنه من عسل "حيفا" سيعجبك ؟
لم يبال به الأسير، فقد كان غارقا في يم من الأحزان،كان يتذكر أهله وأحبابه وهم يرشقون قوات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة... " آه، يا جماعة الشراذمة، لولا هذه القضبان" .
 أشار الضابط لأحد مساعديه:
ــ زدني الخبز، لقد تأخر وقت عشائي، أني أتضور جوعا.
ــ أنا أيضا، قال المساعد.
ــ هل أكل شيئا ؟
ــ لا، يا حضرة الضابط ، لم يأكل منذ عشرين يوما .
ــ عجبا، لم يأكل منذ عشرين يوما، ! ومايزال يحدق فينا كوحش هائج، هل تظنوا أنه سيحقق شيئا، سيموت جوعا دون أن يكمل حتى شهر، لن ينتصر.
ــ إنه واهم يا حضرة الضابط، قال التلاميذ الكسالى وهم يضحكون.
كان الأسير ينظر إليهم شزرا، وعيناه تبرق بالأمل والتحدي كقبة القدس المذهبة في يوم ربيعي مشمس، رغم الإضراب عن الطعام ما يزال صامدا كجلمود صخر حطه السيل من أعلى جبل " الجرمق" وهو يتذكر العسل الذي كان يجنيه من الغابة، ثم يجمعه في قنينة زجاجية شفافة، تنير كمشكاة في يد عاشقة تطل من شرفة الكون على أبناء فلسطين.
في صبيحة اليوم التالي، وجدوه مغمى عليه، مكوما في زاوية الزنزانة المظلمة، يلتحف الإسمنت البارد ويتوسد يديه، كان يبدو كهيكل عظمي يكسوه جلد رهيف وجلالُجمال حزين، تعلو وجهه ابتسامة محيرة، الأمر الذي زاد من خنقهم، وهم يحدقون إليه متجهمين.
ومع انتصاف النهار، عادت نحلة من حقول فلسطين محملة بالرحيق، تخترق الزجاج،تجوب دهاليز السجن القديم، تقض مضاجعهم بالطنين، تعبر بين قضبان الزنازين وتلسع وجوههم المنتفخة، وهم يلاحقونها هنا وهناك، يطلقون عليها النار فيرتد إليهم الرصاص حسيرا، يلهثون ككلاب صيد أرهقها الجري وما من طريدة. !
وأخيرا، حطت النحلة على وجه الأسير، فانبطحوا على بطونهم يرتاحون، استفاق الأسير من جديد وهو يضحك ساخرا منهم. !
فتح الدب المنتفخ النافذة كي يستنشق الهواء الجديد، فإذا به يرى أسرابمن النحل قادمة في اتجاه سجن الاحتلال تخفي وراءها سحبا من طير أبابيلوغضب أسود وريح صرصر عاتية. !!!



عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا