في خضم الأحداث الأخيرة المرتبطة بحراك الريف وبزخم
التحركات والتحركات المضادة ذات الصلة، المتزامنة مع الحمى الإعلامية والاستهلاكية
التي تلاحقنا في شهر
رمضان من كل عام، كثر الدعاء للمغرب ولملكه ولشعبه، سواء على مستوى
ما يدعى "النخبة" أو على المستوى الشعبي، وعبر استعمال مختلف الوسائل والوسائط
التواصلية حديثة كانت أو تقليدية.
هكذا راودتني فكرة، قد تكون من قبيل الأفكار
"الرمضانية الحامضة" التي تتحفنا بها القنوات التلفزية الرسمية في كل رمضان،
وهي أن يجرى استطلاع للرأي أو دراسة حول الدعاء الأكثر ذيوعاً بين المغاربة الآن. وحيث
إن هذا النوع من البحوث قد يستغرق بعض الوقت وأنا أبحث عن إجابة سريعة مثل كل إجابات
هذا الزمن، لم أجد إلا التخمين.
من ثم أصغيت بإمعان إلى كل دعاء أصادفه في الفضاء
العام الحقيقي والافتراضي، وفي الفضاء الخاص عن طريق الأهل والأصدقاء على اختلاف فئاتهم
العمرية والاجتماعية والثقافية. وما اكتشفته لا يعد مفاجأة، خصوصاً في هاته البلاد
وفي هذه الظرفية بالذات.
أكيد أنكم عرفتم تلقائيا الدعاء الشائع جداً في
خطابنا نحن المغاربة... ألا وهو اللازمة المتكررة والمكرورة "الله يستر"!
نقول "الله يستر" كلما سمعنا خبراً غير
سعيد، كلما تمضمضنا بسيرة أو بسمعة أحدهم، كلما قابلتنا سلوكات عجيبة في الشارع أو
سمعنا عن ممارسات الفساد في البلاد... غالباً، ورغم اختلاف لهجات وعادات وأساليب عيش
شعبنا، نلتقي في "الله يستر"!
مع ذلك، أستسمحكم القول إن هذه "الله يستر"
هي التي "خرجت علينا" وألحقت بنا ضررا فادحا، هي التي جعلت الفساد يستشري
برا وبحرا وجوا بلا حشمة، هي التي جعلت النفاق الاجتماعي الذي يصل حد "الشيزوفرانيا"
(انفصام الشخصية) يسود، هي التي نشرت الخوف والجبن من مقاومة "تغَوُّل" الظلم
والطغيان.
"الله يستر"
هو خطاب النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وكذا قول من يرى المنكر يحصل في هذه الأرض
وأبنائها ولا يحرك ساكناً. والدعاء بستر المكشوف هو بمثابة تشجيع للجناة في حقنا على
التمادي في نهب النفيس، بل وحتى الرخيص (في سياق "عضة من الفكرون...")، من
خيرات بلدنا وعلى المزيد من الطغيان والتسلط على رقابنا.
رغم أننا قد نكون المسلمين الأكثر استعمالا لهذا
الدعاء، ألم يحن الوقت لاستبداله بدعاء آخر من أجل كشف المستور وفضح الفساد والفساد
والمفسدين؟ فثقافة "الله يستر" ثقافة انهزامية ولا تجدي نفعا في مواجهة الأزمات
الوطنية الكبرى وتساهم حتما في "تكرار ما حدث". لا لتغطية الشمس بذلك الغربال
المثقوب من كثرة الاستخدام وإسدال حجاب "التعتيم والإفلات من العقاب" على
من أساء التدبير وارتكب جرائم مادية أو معنوية ضد الوطن والمواطنين. مهما قيل، فالسبب
وراء الانتفاضات الشعبية هي تلك "الله يستر". والحل يكمن في "الفضح"،
الذي يقتضي كشف الحقيقة وإماطة اللثام عن ملايير "إعادة الإعمار في الحسيمة"
أين ذهبت؟ عن كل جزء من هذه الأرض المبتلاة بفصيلة نادرة من المفترسين والمفترسات تستحق
الانقراض قبل أن "تقرضنا" جميعا وتأتي على الأخضر واليابس.
"الله يفضحهم"!
... وقولوا: آمين.