يعتبر كتاب أسس التوتاليتارية لحنة أرندت أهم مرجع
كلاسيكي في العلم السياسي الحديث، خاصة أن المفكرة تناولت فيه الشكلين الأبرزللهيمنة
التوتاليتارية: النازية
الألمانية والستالينية السوفياتية. حتى هذه اللحظة لم نتعرّف
إلا على شكلين أصيلين من التسلط التوتاليتاري، ديكتاتورية الحزب الوطني ـ الاشتراكي
لما بعد العام 1938، وديكتاتورية البولشفية القائمة منذ العام 1930، على أنَّ شكلي
التسلط هذين يختلفان بصورة أساسية عن كل أنواع الأنظمة الديكتاتورية الأخرى، أكانت
استبدادية أو طغيانية.
وأيّاً كان رابط البنُّوة الذي يشدها إلى ديكتاتوريات
الحزب، فإنَّ سماتها، بما تنطوي عليه من أمور توتاليتارية في الجوهر، جديدة ولا يسعها
أن تُنسب إلى أنظمة الحزب الأوحد، ذلك أن هدف الأنظمة ذات الحزب الأوحد لا يقتصر على
الاستيلاء على السلطة فحسب: بل يتعداه إلى استكمال التمثل التام ما بين الدولة والحزب،
وذلك بتعيين أعضاء من الحزب في كل مراكز الدولة، بحيث يصير الحزب، بعد تولي السلطة،
نوعاً من هيئة تهتم بإطلاق الدعاية لصالح الحكم… والحق أن كل أنواع الحكم الاستبدادية
إنما تستند إلى أجهزة الاستخبارات السرية إذ تشعر بأنها عرضة للتهديد من قبل شعوبها
بالذات، أكثر من أي شعب آخر…
ومع ذلك فإن الشرطة السرية وتشكيلات النخبة، إبان
الحقبات الأولى من النظام التوتاليتاري، لبثت تؤدي دوراً شبيهاً بالذي كانت تؤديه في
ظل أشكال أخرى من الديكتاتورية. أما القساوة الفظيعة التي تميزت بها أساليبها فلا يجد
لها المرء نظيراً إلا في تاريخ دول الغرب العصرية… وحالما انتهت إبادة الأعداء الواقعيين
(من قبل الحكم التوتاليتاري بالطبع) وشُرع بمطاردة “الأعداء الموضوعيين”، بات الإرهاب
“وحده جوهر الأنظمة التوتاليتارية الواقعي”.