-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

لماذ تخلفنا؟ د. رفعت السعيد

الإجابة قد تحتاج إلى مجلدات، لكنها أيضاً يمكن إيجازها فى عبارة واحدة «لأننا فى كثير من الأحيان اعتمدنا على النقل غير المبصر من أقوال قديمة دون أن نُعمل العقل
فى تحديد مدى معقوليتها».
ونسينا- أو بالدقة- تناسينا ما يأمرنا به الإسلام من ضرورة إعمال العقل والنظر إلى مدى معقولية التقاء الفتوى مع الواقع المعاش.
والأساس فى هذا المقام هو أن المسلم ملتزم بما أتى به القرآن الكريم والحديث الشريف، أما أقوال الفقهاء قديمها وجديدها فهى أقوال بشر، يسرى عليها احتمال الصحة واحتمال الخطأ، ويسرى عليها تغيير الزمان والمكان وتقلب الأحوال والأعراف والممكنات، ويسرى عليها الاعتداد بمبدأ النسخ. وإذا كانت بعض الآيات قد نسخت خلال عشرة أعوام أو يزيد قليلاً من تجربة الإسلام فى المدينة فكيف تستسيغ العقول أنه لا يمكن القول بنسخ فتوى أصدرها بشر، فى حين أن أعلام الأئمة أكدوا وقوع النسخ فى الأوامر القرآنية.
فإذا رجعنا إلى الحديث الشريف نجد «أن الله يبعث على رأس كل مائة من السنين لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها» (رواه أبوهريرة).
وسيدنا على بن أبى طالب قال: «لا تطلبوا إلى أبنائكم أن يفكروا بعقول كعقولكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم».
والإمام الشافعى يقول «رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب».
والإمام أبوحنيفة يقول «رأينا هذا هو أفضل ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه».
والإمام مالك بن أنس قال «كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر الرسول».
ثم نأتى إلى أفكار ومواقف، ونتوقف فى إعجاب أمام كتاب للشيخ أمين الخولى عنوانه «المجددون فى الإسلام» ونقرأ «فإذا تحدث أصحاب القديم عن التجديد، وبدأ حديثهم هذا مبكراً منذ حوالى القرن الثالث الهجرى، لم يبق بعد ذلك مقال لقائل ولا اعتراض لمعترض، ولم تعد فكرة التجديد بدعاً من الأمر يختلف الناس حوله. ولا يضيع الوقت والجهد فى تلك المهاترات التى تكثر وتسخف حول كل محاولة جادة لدفع الحياة الدينية والاجتماعية، إلى ما لابد لها من سير وتقدم وتطور ووفاء بما يجد دائماً من حاجات الأفراد والجماعات» (صـ١) ويحدد الشيخ مقصود كلمة التجديد فيقول «فإذا كان المجدد متطوراً مع الحياة، فمعنى ذلك أنه يقدر تغيرها فى سيرها إلى غدها، ويعمل على جعل الدين مسايراً لها فى السير، موائماً لحاجاتها فيه، فالتجديد هو تطور وهو ليس إعادة قديم كان، وإنما اهتداء إلى جديد لم يكن بعد» (صـ٣٦)، ثم «ولا يحتاج الدين إلى التعرض لشىء من مقررات العلم اليوم أو فى الغد البعيد، مع انطلاق العلم ذلك الانطلاق الجبار».
ويقول «إن من أجدى ما قدم المجددون للحياة الدينية هو فهم الدين على أنه إصلاح للحياة لا طقوساً وأشكالاً» ولدينا نصوص أخرى عديدة نقرأ منها ما كتبه الشيخ جميل الزهاوى، إذ تعرض لاضطهاد حاكم العراق واتهمه بعض رجال الدين هناك بالكفر، لأنه طالب بتحرير المرأة إذ قال «وبعد فيا أيها المسلمون..
أنا مسلم مثلكم يحزننى خسرانكم، ويشركنى معكم مصرعكم، إن هؤلاء الرجال الذين أثقلت هاماتهم العمائم أكثرهم لا يعقلون. كان السلطان عبد الحميد يقتل الناس وينفيهم وينهب الخزائن، وكل هذا حرام فى ديننا، فما قام فى وجهه منهم ناصحاً أو رادعاً» (وهذا بالضبط ما كان يفعله بعض المتشددين فى أيامنا الحالية مع عبدالناصر ثم السادات ثم مبارك) ونمضى مع الشيخ الزهاوى «لكنهم اليوم وقد وسعتهم بلاد الحرية يكرهون أن يروا حراً يتكلم، فهم يهاجمون كل من لا يكون من فريقهم، يملأون الدنيا صخباً وضجة، ويكفرون الساعل والماخط والآكل والشارب، حتى لقد زهدونا بالحياة وهم أشد الناس بها تعلقاً، فلا تجعلوا لهم سلطاناً عليكم، فيكسبوا من خسرانكم ويسعدوا بشقائكم، وأنتم لا تعلمون» (راجع للتفاصيل: الإمام محمد عبده- الأعمال الكاملة- الجزء الثالث صـ٢٨٢).
أما الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فقد أكد أن «لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسط من أحد من سلف ولا من خلف» (المرجع السابق صـ١٧٨). وهكذا فإن الإمام محمد عبده يعتبر أن إعمال العقل هو بذاته رابطة بين بنى البشر وهو أداة لإلهام الشعوب.
وقد أكد فى مقال مبكر «إن سر تفوق أوروبا يكمن فى تفوقها فى مضمار البحث العلمى وإلى تقدم نظم التعليم فيها». وهو يؤكد «أن الإسلام لا يمكن أن يرسخ أقدامه عبر الأزمان إذا ما استمر معتمداً على التقليد، فبدون استخدام العقل سوف يتعذر على المسلمين إجراء أى تقدم أو تطور»، وبالفعل استخدم الأستاذ الإمام العقل العاقل وتأمل أحوال عصره ومقصود الإسلام كمنحة للبشر.
لكن البعض من متحدثى اليوم فى شأن الدين يمضون فى طريق التشدد إلى أقصى مداه، متصورين أن مثل هذا التشدد يقربهم إلى الله، وما هو كذلك. ويمكن فهم موقفهم هذا من مقولة للمفكر ألبرت حورانى «إذا كان التاريخ هو ما تعيه ذاكرة الإنسان عن الماضى فإن هذا الماضى يظل بالنسبة للبعض أملاً يتعين الارتداد إليه. وبالنسبة لبعض المسلمين سيظل العصر الإسلامى الأول صورة وحيدة لما يجب أن يكون عليه العالم» (الفكر العربى فى العصر الليبرالى- ١٧٩٨/١٩٣٩- صـ٨٠ من الطبعة الإنجليزية).
ويشير المؤلف إلى أن فكرة العصر الذهبى القديم الذى يثير أحلام البعض فى الارتداد إليه هى فكرة إغريقية قديمة، قائلاً إنه إذا كانت الممكنات العقلية للبعض لا تتيح له رؤية مستقبلية لمستقبل أفضل فإن الارتداد إلى الخلف يكون المتاح الوحيد، خاصة إذا ما جرى تغليف ذلك بغلاف دينى يوحى بأن ما كان فى الزمان القديم هو بالضرورة الأقرب إلى إرادة السماء وأن الالتزام به رغم كونه بشرياً ويحتمل الصواب والخطأ، يمنح صاحبه مكانا فى الجنة. وهو ما نعتقد أنه رأى غير صائب، والله أعلم.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا