-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

كانط… ما التنوير؟ حكومة الطاعة «الذي يطيع لا يستعمل عقله» عزيز الحدادي

فبأي معنى يمكن الحديث عن حكومة الطاعة؟ وهل الهيمنة السياسية هي مصدر هذه الطاعة؟ أم الهيمنة الدينية والأخلاقية؟ وما علاقة جدل الدين والسياسة بجدل التاريخ؟
يعلمنا التاريخ أن الطاعة كلما كانت عمياء، فإنها تقضي على العقل وتدمر الفكر، وتجعل الإنسان مسؤولا عن حالة قصوره، يخضع لغيره، ولا يستطيع الخروج من هذه الحالة إلا عندما يقوم بالحفر الإركيولوجي في ماهيته ويتعرف على نفسه كحيوان عاقل، ولذلك يجب عليه أن يتحلى بالشجاعة والجرأة في المعرفة، بيد أن الوصول إلى هذه المعرفة المرحة، يتطلب استنبات إرادة الحرية في الروح، من خلال بذور التنوير بوصفه سيرورة للإنسانية جمعاء، كما أنه يتوقف على الشجاعة الفردية، الذي تؤهل الشخص إلى تمييز ما ينتمي إلى الطاعة، وما ينتمي إلى استعمال العقل إذ: «من حقنا التفكير كما نشاء وبكل حرية، كما يجب أن نخضع للواجب الأخلاقي».
ثمة إذن حقيقة لا يمكن أن يراها العميان، ولن يسمع نداءها من أصيب بالصمم، إنها حقيقة التنوير التي تشرق على الشعوب، كما تشرق الشمس لتنير ظلام الكون، ومن طبيعة التنوير أن يبدأ انتشاره عبر المعرفة التي تحرر الإنسان من الطاعة العمياء والخضوع المطلق، فالمعرفة والحرية والمساواة، يمتلكها الإنسان، بمجرد ثورته على قصوره الفكري، والارتقاء إلى مقام الرشد الفكري، والجرأة في المعرفة، وما دام أن الشرط الأنطولوجي للتنوير لا يمكن أن يكون سوى الحرية، بمعناها المعرفي أي: «حرية استعمال العقل في الأمور»، ذلك أن «الاستخدام العام للعقل ينبغي أن يظل حراً في كل الأزمنة، وهو وحده قادر على نشر التنوير بين الناس».
والحال أنه لابد من التمييز بين تنوير الإنسان بشكل عام وتنوير الإنسان كمواطن، وبعبارة كانط يجب التمييز بين العقل العام والعقل الخاص، ذلك أن الإنسان كلما ارتقى من أحط الطبقات السياسية وهي الرعايا، وانتقل إلى طبقة المواطنين، كان التنوير قريباً منه، خاصة أنه لم يعد قاصراً، ولعل أطروحة التنوير الأساسية: «خروج الإنسان من حالة القصور» يفهم منها ارتقاء الإنسان إلى لحظة المواطنة التي تتصرف في حقوقها السياسية، بدلا من تقبل سلطة الآخر: «التي تقودنا في ميادين ثلاثة هي: عندما يصبح الكتاب بديلا عن فهمنا وعقلنا، وعندما يتولى رجل الدين توجيه ضميرنا الأخلاقي، وحين يقرر الطبيب نظامنا الصحي.. فالتنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه». فمن يملك الحق في استعمال العقل في كل الأمور السياسية والدينية: الإنسان أم المواطن؟ وبعبارة التنوير هل الإنسان القاصر الذي يخضع ويطيع ؟ أم المواطن الراشد الذي يتصرف بحريته؟
فالرعايا لا يستخدمون عقولهم، لأنهم ليسوا أحراراً، لأن العقل هو الحرية، والحرية هي التنوير، والتنوير هو المعرفة، فداخل هذه الألعاب ينبثق العهد الجديد للشعب الذي يريد ثورات الحرية والمساواة، وبما أن الناس في الفضاء العربي المقهور لا يستخدمون عقولهم، لأنها تولد محطمة بصدمة رجال الدين، والسياسة السوفسطائية، فإنهم لن يخرجوا من مرحلة القصور الفكري، الذي اختاروه تحت التهديد بالعذاب، والألم، وستظل منزلتهم بين المنزلتين، فما هم بمواطنين ولا بعبيد، وهذه هي أهم العقبات التي تقف في وجه انتشار التنوير.
لا نملك إلا أن نستغرب من هذا الراهن الوسطوي، الذي حكم على هذه الشعوب بالقصور الفكري، وحرمانها من استخدام العقل، باعتباره شعاراً للتنوير، واعتقالهم في جدل الدين والسياسة، من أجل إخضاعهم للطاعة، هكذا أصبح الكلام عن زمن التنوير، وكأنه كلام عن حكايات ألف ليلة وليلة، لأن العقل مخدر، والإرادة محطمة تجد نفسها في الحنين إلى الحنين، وخوض المعارك التراجيدية مع إشراقات الروح، هكذا تصبح نشوة الألم هي شعائرهم في الحياة، لأنهم يصلون إلى نشوة المتعة في عالم ما بعد الطبيعة، عندما يكونون بلا أجسام، مجرد أرواح قد انفصلت عن موادها. فهل نستطيع أن نحارب هذا الفقر الروحي بالعلم؟ وهل بإمكاننا أن نعيد لهؤلاء الأرواح المنفصلة عن موادها حريتهم بواسطة المعرفة؟، وهل لازال بإمكانها أن تقتحم فضاء عقل الأنوار؟
إنه صراع شديد بين من يحارب الفقر الروحي، ومن يحرض الناس عليه، بين قوة التنوير، وسلطة الظلام، ومن سيئات هذا الصراع، الذي ألقى بأمة كاملة في الضياع، موت العقل في الإنسان، وهجران المعرفة، وغروب الحرية، ولم تعد تطمح أن تصبح هي الممثل الشرعي لكرامة الإنسان، لأن الحرية هي الكرامة بما هي كرامة، إنها الشيء نفسه. فبفقدانها تنهار إنسانية الإنسان، فبأي حق يتنازل الإنسان في الفضاء العربي عن إنسانيته لأعداء النزعة السياسية؟ وتحت أي ضغط يقبل أن يصبح عبداً لسلطة الشقاء؟ ومتى سيخرج من قصوره الفكري ويستخدم عقله ولو ليوم واحد؟
مهما يكن هذا الزمان متمردا على الفكر، ومعاقباً للعقل، ومضطهداً للتنوير، فإنه سيتجه نحو تدمير نفسه بنفسه، احتراما لجدلية التاريخ، والشاهد على ذلك أن هذه الحروب الشرسة التي تدور في دائرة مغلقة، لن تنتهي إلا عندما تعيد هذه الأمة إلى العصر البدائي، وحينئذ ستجد نفسها أمام شاعرية الأنقاض.

كاتب مغربي
عزيز الحدادي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا