-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

المنجز الرقمي .. مراجعة وتقويم : بقلم: د. وصـفي ياسـين

هل ما زال الوقت مبكرا لمراجعة المنجز الرقمي العربي تقييما وتقويما؟ أم أنه آن الأوان لتأمّل هذا المنجز وتوصيف حالته الراهنة إبداعا ونقدا؟ هل من حق المتلقي
العربي أن يتساءل عن حقيقة منجزه الرقمي مقارنا بينه وبين منجزه الورقي، مواصلا تشبثه بإرثه الورقي أو تحسسه من الرقمي، ممارسا قلقه على مستقبل وآفاق المنجزين معا؟ مَن روّاد المنجز الرقمي عربيا؟ وما أهم إسهاماتهم؟ ومَن أكثرهم إبداعا وملاحقة ومراجعة وتطورا؟ وما دور الإكاديمية النقدية مع هذ المنجز؟ وما مدى تأثيرها؟ وهل هناك أدعياء على هذا المنجز يجب الانتباه إليهم؟
كل هذه الأسئلة وغيرها، كانت حافزا قويا لهذه الدراسة للتوقف أمام ثلاثة محاور: الأول؛ التعرّف على ماهية المنجز الرقمي. الثاني؛ مراجعة هذا المنجز وتقويمه، تحديدا وتثمينا لقيمته، توجيها وتعديلا لمسيرته، مع اقتراح بعض الآليات التي قد تسهم، ولو بشكل يسير، في التطوير. الثالث؛ تقديم ببليوجرافيا مبدئية بالأعمال المهتمة بالمنجز الرقمي.
هذه الدراسة تدرك جيدا الخطورة والصعاب التي ستجابهها، ليس في التعامل مع المنجز الرقمي فحسب، ولكن في ردود أفعال المتحمسين له حد التهور، لذلك فهذه الورقة غير معنية، بتاتا، بالهجوم على أحد أو التقليل من مجهود أحد، بقدر عنايتها بالمراجعة والتقويم. وليس من ضمن أهدافها أن تقول ما يحب أن يسمعه بعض الرقميين المتحمسين، لكنها ستقول ما يجب أن يعلموه جيدا؛ لمراجعة هذا المنجز وتقويم مساره نحو جادة الطريق.
أولا: ماهية المنجز الرقمي
عربيا، ليس في مصطلح الرقمية جدة ولا غرابة ولا لبس، لأنه مصطلح شائع الاستخدام، ومتعدد الدلالات، في أمور كثيرة منها: علوم المكتبات وأنواعها، الفنون الجميلة وأشكالها، المناهج التربوية وطرائقها، الرياضة وفنونها، علوم الحاسب الآلي وتقنياتها، الإعلام والصحافة ووسائلهما، العمارة وتصميماتها. لكن الجدة والغرابة واللبس وقعت بعد تزاوج المصطلح بالأدب والإبداع، لذا تعددت الدراسات حول الأدب الرقمي وتنوّعت مقاصدها بين الاتفاق والاختلاف، التراجع والتبنّي، ولا يجد الناقد مفرًّا من الانغماس في التنظير والأيديولوجيا؛ لأن الدراسات لا تزال تتحسس طريقها، ما بين تأصيل للمصطلحات وتحليل للنصوص بأدوات قديمة أو تجريب أخرى مقترحة.
لكن، رغم كثرة الدراسات فإنه ليس هناك حتى الآن بوادر تعفينا أو مبرارت تدفع بنا إلى القفز على بدايات هذا الأدب؛ نظرا لأن هذا النوع لم يصل من رسوخ المصطلحات وتراكم النصوص الثرية، وكثرة الأشياع، حدًا يصرفنا نحو أمر آخر؛ لذلك لا مفر من الكتابة من أول السطر، والوقوف في عجالة على ماهية الأدب الرقمي في محاولة صادقة لوضع مفاهيم غير ملتبسة/ غامضة عن الأدب الرقمي بغية الخروج من هذه المرحلة، البدايات تحديدا، وفض الاشتباك القائم بينها، وهي: النص الورقي، النص الإلكتروني، النص المترابط، النص التفاعلي، النص الرقمي، النقد الرقمي.
النص الورقي: هو النص الذي بدأ منذ ظهور التدوين مرورا باكتشاف الطباعة حتى ظهور الرقمية، وسيلته اللغة والورق والكتاب المطبوع، خطي متتابع، لا يتغير سوى بطبعة جديدة، قد يحتوي على صور أو رسومات أو توضيحات، يفنى، يستهلك مكانا ويتطلب وقتا وجهدا لاقتنائه، يُورّث.
النص الإلكتروني: هو أقل درجات الرقمية، إن لم يكن أولها، حاليا هو أكثر النصوص تداولا بعد النص الورقي، وسيلته الشاشة، ما هو إلا نص ورقي تم رفعه بهيئته الورقية على شبكة الإنترنت بأي أشكال القراءة، غير تفاعلي ولا ترابطي أو تشعبي، خطي متتابع، يفنى، لا يستهلك مكانا ولا يتطلب وقتا وجهدا لاقتنائه، لا يُورّث.
النص المترابط: أول المصطلحات الرقمية ظهورا. ارتبك، وتوزّع بين مسميات الفائق والممنهل والمتشعب والتشعبي والمتفرع والمترابط والسيبرنصي. والنص المترابط في أبسط تعريفاته، هو نص وسيلته الشاشة، مطعّم فنيا بنصوص أخرى لغوية وغير لغوية عبر روابط أو أيقونات تقوم بوظائف كنائية مختلفة، انطلاقا من مبدأ توسيع مفهوم النص وتناسل النصوص وإذابة الخطوط الفاصلة بينها مع الحفاظ على خصوصياتها النوعية. تتوافق كلمة (متشعب) مع كلمة (مترابط)؛ فلا فرق بينهما.
النص التفاعلي: هو أعلى درجات الرقمية، ونص الوسائط المتعددة، وسيلته الشاشة، ترابطي، تفاعلي يسمح بالإضافة والحذف والتغيير، تصعب طباعته كاملا، أفقي، يفنى أو يتعطّل، لا يستهلك مكانا ولا يتطلب وقتا وجهدا لاقتنائه، لا يُورّث.
النص الرقمي: هو مصطلح عام يُطلق مجازا على كل أشكال الإبداع الرقمي سواء كان الإلكتروني أو الترابطي/ التشعبي أو التفاعلي.
النقد الرقمي: هو القدرة على شرح المصطلحات الرقمية وتبسيط التقنيات المستخدمة وتفسير طرائق توظيفها بما يساعد على تقريب العمل الأدبي وإثرائه.
ثانيا: مراجعة الإبداع الرقمي
هل الإبداع الرقمي القائم على تضمين الروابط ولغة الحاسوب يندرج تحت الإبداع الذي يمكن أن نتذوقه وتسمو به أرواحنا؟ أم أنه يصلح مع أجناس أخرى كالمدونات والمقالات والتقارير والأخبار بعيدا عن الشعر والقصة والرواية؟ وهل احتياج المبدع الرقمي إلى التدريب الفني والتمرّس في مجالات البرمجة والإخراج السينمائي وكتابة السيناريو والمسرح وفن المحاكاة يحفظ حقه في الموهبة الإبداعية؟ أم يعود بنا إلى قضية القدماء حول الطبع والصنعة؟! هل بالضرورة أن يكون الروائي الرقمي كاتبا مبدعا؟ أم يكفيه أن يكون مبرمجا محترفا، أو يمتلك تدريبا متخصصا في الإخراج السينمائي؟ هل الإبداع الرقمي كفيل بطرح رؤيته بين يدي المتلقي كما فعل الإبداع الورقي؟ أم أنه يحتاج إلى أبيه الشرعي كي يبسّطه ويشرح تقنياته للمتلقّي؟
إن تأمّل الببليوجرافيا الملحقة بهذه الدراسة، يجعلنا نجزم بأن الإبداع الرقمي حركته بطيئة، وتكاد تكون متعثرة؛ ولا يوجد في الوطن العربي "إلا بعض الأسماء المعدودة التي تكتب النصوص الرقمية المعقّدة، بمعنى أنها تستعمل آليات الكتابة الرقمية من برامج، ووسائط، وروابط، ما عدا ذلك من الأسماء فهي تستعيض عن القلم بلوحة المفاتيح، وعن القرطاس بشاشة الكمبيوتر."
من هذه الأسماء المعدودة؛ محمد سناجلة الذي كتب خلال خمسة عشر عاما، هي عمر رحلته الإبداعية رقميا حتى الآن، خمسة أعمال إبداعية موزعة بين القصة والرواية، وكتابا واحدا. أيضا منعم الأزرق، وهو من أغزر الشعراء الرقميين إبداعا. بينما لم يزد الآخرون عن تجربة إبداعية واحدة أو اثنتين على الأكثر.
هذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل النص الرقمي قادر على إثراء تجربته الفنية، أو على الأقل، تجديد الدماء في عروقها؟ ثلاث مهارات متوقّع توافرها في المبدع الرقمي، هي "أنه في آن واحد: يبدع النص: أي ينقله من مرحلة الكمون إلى التجلّي النصي والعلاماتي. يضع التصوّر الذي سيكون عليه من خلال تصميم أجزائه ومكوناته وتنظيم علاقاته (الرقّام). ينقل النص والتصور من خلال برنامج معيّن يجعله قابلا للرؤية والقراءة على الشاشة (الراقم)... إنه (كاتب وزيادة)، هذه الزيادة هي الجانب التقني."
ما يُؤسف له حقا، أن بعض مبدعينا الرقميين تنقصهم صفة أو اثنتين، إما الأولى لبعض مَن أقدم على التجربة الرقمية، أو الأخيرة بالنسبة لمَن أحجم عنها، أو الأولى والأخيرة في آن.
طالما أن المفترض في المبدعين الرقميين هو إجادة استثمار الحاسب والوسائط المتفاعلة، لماذا لا يعملون على نصوص غيرهم، خاصة التي حققت رواجا؟ لماذا لا يجرّبون تحويلها إلى نصوص رقمية حقيقية يختبرون فيها قدراتهم إلكترونيا وإبداعيا؟ هذا الاقتراح ليس فيه منقصة من إبداع أو موهبة أحد، بل هو إقرار بمشروعية الجمع بين المبدع الروائي والرقمي المحترف.
لماذا لا يلتقي محمد سناجلة، مثلا، باعتباره رائدا في الأدب الرقمي وفي توظيف الوسائط الإلكترونية مع أحمد خالد توفيق، مثلا، باعتباره موهوبا في الكتابة الإبداعية، لما يُعرف عنه من غزارة الإنتاج وجودته وجدته. لماذا لا يلتقيان في عمل واحد، دون أن يكون في ذلك تقليل غير فنّي من عملهما الإبداعي، حتى نضمن الجمع بين موهبة الأدب وحرفية التكنولوجيا؟ الاستفادة ستكون عظيمة ومزدوجة؛ التكنولوجي يستفيد إبداعيا، والمبدع يستفيد تكنولوجيا؛ فينهض الأدب الرقمي من عثرته التجريبية. وهناك أسماء عربية أخرى يمكنها التعاون الصادق فيما بينها من أجل شرف هذا الهدف.
هذه واحدة؛ الأخرى أنه إذا استنكف الرقمي عن طرح إبداع غيره، فلماذا لا يطرح فكرته الإبداعية على الشبكة أولا، ثم يطوّرها مع المتفاعلين حتى ينضج عمله ويكتمل، ولعل تجربة عبدالواحد استيتو الإبداعية أصدق دليل على ذلك.
أدعو لهذا بعد أن لجأ بعض الرقميين إلى طرح باكورة أعمالهم رقميا حتى لا يلتفت المتلقّي بفعل اندهاشه بالجديد إلى مثالب الإبداع وقصور الكتابة، وكانت النتيجة أن منتوج البعض كان ضعيفا، والبعض الآخر لم يعاود التجربة مرة أخرى.
النص الرقمي، في حقيقته، ما هو إلا أحد تجليات النسق الظاهر والمضمر؛ لأن بنية النص الظاهرة على السطح، غيرها التي تتبدّى مغمورة في ثناياه، كذلك بنية النص الرقمي قبل فتح الروابط، غيرها بعد فتح الروابط، وما قراءة النص الرقمي قبل فتح الروابط وبعدها إلا امتداد لمراواغات النسق الظاهر والمضمر، والتعويل على ثقافة المتلقّي التي يجب أن يُضاف إليها الجانب الإلكتروني؛ فكما أن النسق المضمر في حاجة إلى وعي نقدي وتراكم ثقافي، فإن النص الرقمي في حاجة إلى وعي تكنولوجي. هذا في النقد، بينما فى الإبداع، فإن النص الرقمي تفاعل فيه المؤلف والمتلقي، وإن كان تفاعلا، حتى الآن، محدودا ومشروطا أو منقوصا ومراوغا أحيانا؛ "فثمة مراوغة في الحرية الممنوحة للقارئ الرقمي وهو يبحر بين الروابط، فهو يستطيع الإبحار بينها، لكنه لا يستطيع التعديل فيها مع أنه يمتلك حرية إعادة ترتيب النص." لأن بعض المؤلفين يتركون دعوة لتفاعل المتلقي، لكن يظل النص ثابتا بصيغته الأولى، لم تتغير مادته ولا روابطه منذ أن طرحها صاحبها.
يبدو أن كثيرا من الأدباء والنقاد توقّفوا انتظارا لما تسفر عنه التجربة الرقمية عربيا، والمخاض الصعب الذي تمرّ به؛ نظرا لأنه لا يمكن إلزامهم بالكتابة لأنها منطقة خاصة مؤهلاتها ليست متاحة للجميع. صحيح أن البشائر تشير إلى تمرّد إبداعيّ وتجديد نقديّ، لكن كيف ينشط النقد الرقمي وليس لدينا نصوص رقمية كافية؟ ولماذا يرتفع سقف توقّعات المتحمسين عربيا ما دام الجهاز المفاهيمي لنظرية الأدب الرقمي لم تتضح معالمه، ولم تثبت تعريفاته، ولم يتحمس الوعي العام لأهميته، ولم ينخرط المبدعون في أنواعه؟! إن الإبداع الرقمي ما زال حذرا حتى لا يصطدم باشتراطات التلقّي، وإذا سعى إلى الصدام كان ذلك محسوبا عليه بدرجة ما.
إذن، التجربة الإبداعية الرقمية لم تنضج بدرجة جاذبة لكبار المبدعين والنقاد، والأسباب واضحة ومقبولة نسبيا؛ حيث عدم تراكم النصوص الرقمية، والأمية الإلكترونية، وصعوبة التخلص من الالتصاق الحميمي بالإرث الورقي، وعدم وضوح الرؤية النقدية للأدب الرقمي، أو أن الإبداع الرقمي يسبق دائما بخطوة، في الوقت الذي يبحث فيه النقد الرقمي عن أدواته أو يعجز عن الملاحقة بشكل جيد.

د. وصـفي ياسـين ـ أستاذ مساعد بكلية محمد المانع بالسعودية









عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا